مقالات

لماذا يستهدفون سيّد قطب ؟!

بقلم : صالح عوض عبدالعال *
في مكتبة تابعة للسفارة السوفيتية بالجزائر ، وبالقرب من مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في مطلع الثمانينات ،كان يطيب لي الجلوس بعد أن استعير كتيبا أو كتابا أو مجلة للقراءة ،وكان يعجبني هذا التدفّق الفكري والثقافي السوفييتي وواقعيته وعملياتيته، قرأت الأرض البكر لبريجينيف ،وقرات أشعار رسول حمزاتوف ، وقرات عن الماركسية اللينينية ،وموقفها من القوميات ،وقرأت عن الأمبرياليّة ومصانع التسليح ،وعن الرأسمالية، واستغلالها للإنسان والشعوب.. قرات عن الحزب الشيوعي السوفييتي ومؤسّساته ، فكنت بحق أرى فيهم إنجازا كبيرا ، على الرغم من أني لا أتفق معهم في المنطلق.. وفي يوم كنت أمد يدي إلى كتيبات صغيرة في زاوية بالمكتبة ، وجدت كتيبا بعنوان (التحديات أمام تقدّم الفكر الشيوعي في البلاد النامية)، فجذبني العنوان ، وبعد صفحات قليلة، وإذا بالكاتب يقول إن أخطر ما يواجه الفكر التقدمي في البلاد العربية ، هو ذلك المفكّر الرجعي الديني سيد قطب.. صعقني هذا الكلام وأنا أعرف أن سيدا هو من كتب كتابا مهما بعنوان (العدالة الاجتماعية في الإسلام )،شنّ فيه حربا لاهوادة فيها على رأس المال وسطوته وعلى الطبقات المكتنزة له..
وقبل عامين تقريبا ،وبعد أن تم الإفراج عن وثائق المخابرات الأمريكيّة لمرحلة الأربعينات، تمكّنت من خلال بحث بسيط في ( جوجل)،أن أطّلع على أساليب المخابرات الأمريكية تجاه سيد قطب، عندما كان مبتعثا للدراسة إلى أمريكا.. وعلى الرغم من أن الكاتب ضابط أمن، إلاّ أن الحقائق تصرّ على الظهور .. كيف تم التفاهم بين وزارة المعارف المصرية والمخابرات الأمريكية لاستيعاب سيد قطب، وكيف تمّت عمليات الترغيب والإغواء، وكيف تصدّى لها سيد قطب واحدة تلو الأخرى.. كيف كان تقرير المخابرات الأمريكيّة بأن هذا المفكّر يشبه كارل ماركس،وأن خطره على النظرية الراسمالية لايقل عن ذاك.. كيف قرّروا أن يعرضوا عليه الأموال، ويهيّئوه إلى مواقع قيادية عليا في المجتمع المصري ، وكيف دفعوا بالفتيات إليه ،ولكنهم بعد قليل وقت ، وصلوا إلى نتيجة أنه لايصلح ،وأنه معقّد، وأنه لايمكن اغواؤه واستدراجه..
سيد قطب الكاتب الإسلامي الوحيد ،الذي كتب كتابا بعنوان (الاسلام الأمريكاني)، وكتب كتاب آخر ، بعنوان (معركة الإسلام والرأسماليّة).. وسيد قطب وهو يتصدّى للمد الشيوعي، كان يحذّر من تغوّل الراسمالية،وأنها قادرة على التكيّف، فيما سينهار الفكر الشيوعي قريبا..
سيد قطب وقف بصلابة ضد الراسمالية الاقتصادية والسياسية والقيميّة ،ووقف بصلابة ضد القوى الاستعمارية وأتباعها في المنطقة العربية والإسلامية. ومن هنا كان المنظّرون اليساريون في بلادنا يجدون انفسهم غير مخيّرين، بل مدفوعين للتشنيع بسيّد، والتهجم عليه ،واختلاق التشويش ضد أفكاره، كما فعل بالضبط التغريبيون العلمانيون المنخرطون في انظمة وأحزاب تصدّوا له بشراسة.. أمّا مشايخ الدين الذين يستطيبون اللقمة الهنيّة المغمّسة بذلّ الحاكم المتخلّف والتابع للغرب ،فشنّوا عليه حربهم الصليبية المقيتة..
للأسف، وصلت الشظايا لبعض الطيّبين من أبناء العروبة والإسلام، فخدشت وعيهم، وأعطبت ميزانهم ،فانساقوا ولو قليلا إلى التبرّؤ من سيّد وأفكاره.. بعض الطيّبين يخونهم القياس ، فيدلّلون على خلل فكر سيّد وخطئه، أن هناك جماعات كثيرة ولدت من رحم أفكاره تفكّر وتقتل وتخرّب، ونسوا غفر الله لهم ، أن من قتل عثمان وعلي أيضا رفعوا شعار الإسلام، وكانوا أكثر صوما وصلاة من بقية الناس..
سيد قطب، منهج مختلف، ومضاد للفكر المعلّب، سواء كان تراثيا أو وافدا من الشرق او الغرب.. سيد قطب ، محاولة بعث جديد للإسلام المحمدي ، بلا طوائف ولا حواجز ولا ألوان ولا ركام من التاريخ.. إنه النبع الصافي.. ترى هل اقتربنا من فهم هذا الاستنفار ضد سيد قطب؟!

* كاتب وباحث فلسطيني.
 * (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع). 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق