مقالات

خطابنا الإسلامي في الكوارث (ملحوظات منهجية)

بقلم : د. محمّد عيّاش الكبيسي*
١-إن الواجب الأول والأهم للخطيب في مثل هذه الحالات ، إنما هو إحياء القيم الإسلامية مثل(الرحمة بالخلق، والتعاون، والتكافل، ونجدة الملهوف، والتخفيف من المعاناة) وربط كل ذلك بمعاني الإيمان مثل:( التوكّل على الله، واليقين بالله والضراعة إلى الله، وانتظار النصر والفرج من الله)
وأي خطاب آخر يتعارض مع هذا الواجب ،ويثبّط الناس،ويخذّلهم ،فهو محرّم مثل : (اللوم والاتهام وسوء الظن واليأس والإحباط والتفرقة والتكبرّر على عباد الله) وكل ما يؤدّي إلى ذلك.
٢-نحن لسنا مطالبين شرعا بتحليل أو تفسير إرادة الله الغيبية من هذا الحدث، مع إيماننا التام بالقضاء والقدر ، وأنه لا يكون أي شيء في هذا الوجود إلا بإرادة الله وعلمه وحكمته، وهذا معنى قول علمائنا (القدر نؤمن به ولا نحتج به) وإنما الاحتجاج بالشرع (محل التكليف)، فلو أن جاري احترق بيته ،فواجبي إنقاذه وليس من واجبي أن أسأل ، لماذا حدث له هذا؟ ثم أبدأ أفتش عن ذنوبه وأظهرها للناس ، حتى أثبت لهم حكمة الله! فأنا هنا تجاوزت حدي وارتكبت آثاما عدة لا مجال لشرحها الآن.
٣- العبرة العامة بما يحدث مطلوبة ،وذلك يتحقّق بحث الناس على التوبة ورد المظالم ونحو ذلك دون اتهام المسلمين وتقريعهم وتحطيم معنوياتهم. ودون التألّي على الله والجزم بمراده سبحانه دون دليل.
٤- إن الشعوب الآمنة أو المرزوقة ليس شرطا أن تكون أقرب إلى الله حتى تعطي لنفسها حق التعالي والفخر على الشعوب المنكوبة، وهذا يحزنني كثيرا، فكم مرة أسمع واعظا جاهلا يقول لأبناء بلده المترفين : لا تكونوا مثل السوريين أو العراقيين أو اليمنيين فيبتليكم الله كما ابتلاهم! بينما القرآن يقول منددا بهذا التصور الخاطئ : (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ )
٥- أما الاحتجاج ببعض النصوص – وبعض الإخوة يطالبني بتوضيح ذلك- فأقول إن أخطر شيء هو الانتقاء المزاجي للنصوص أو للروايات التاريخية وأخبار السلف والصالحين، ويكفيني هنا أن أضرب هذا المثال:
لقد قال الله تعالى في حق الكافرين الجاحدين وبيان مصيرهم : { فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }. -وهي الآية التي استشهد بها خطيبنا أمس-.
ثم قال الله تعالى في حق المؤمنين {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
تأملوا في هذين النصّين القرآنيّين، فكيف يجوز أن يستشهد الخطيب بتلك الآية التي نزلت في الكافرين الجاحدين وينزلها على إخواننا وأخواتنا في سوريا وتركيا؟! وينسى الآيات الثانية التي فيها البشارة والرحمة وصلوات الله على من ابتلاهم الله بهذه الابتلاءات، وفي هذا يقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم (إذا أحب الله قوما ابتلاهم) ويقول : (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه) وجعل الذي يموت تحت الهدم شهيدا.
فانظروا أي الخطابين أدعى لتحريك القلوب إلى الله ودفعها نحو الخير والإنابة والمحبة والتعاون والتكافل ورفع الهمة
اللهم ارحم شهداءنا في سوريا وفي تركيا ،واشف جرحاهم ،والطف بحالهم ،وانصرهم على من عاداهم ،وصلّ اللهم وسلم على حبيبك المصطفى الرحمة المهداة وعلى آله وصحبه ومن اتبعه إلى يوم الدين.

* مفكّر وفقيه وداعيّة إسلامي عراقي.

* (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق