مقالات

بين مندريس وإفرين … مقارنات تركيّة

د. سعيد وليد الحاج*

عدنان مندريس، انقلب عليه الجيش التركي في 1960م، وأعدم مع وزيرين من حكومته بتهمة “الخيانة العظمى”، وبقي موصوماً بها في تركيا، حتى أعيد له الاعتبار بعد عدّة عقود.نقل جثمانه وبني له ضريح يليق ب”رئيس وزراء سابق”، وتحوّل لرمز للديمقراطية والحريّات في بلاده.
كنعان أفرين، الجنرال الذي قام بالانقلاب العسكري في 1980، وقتل وعذّب وقتل الحياة السياسية، ومرّر دستور 1982 ،بنسبة تصل ل %92 (خوفاً و/أو تزويراً و/أو تضليلاً)،وأجرى انتخابات شكليّة أتت به رئيساً حتى 1989.
في التعديلات الدستورية عام 2010، ألغيت مادة دستورية، كانت تحول دون محاكمة الانقلابيين، فرفعت عليه (وعلى آخرين) ،قضايا بخصوص الانقلاب ،وهو في أرذل العمر. وحكمت عليه المحكمة في 2014 بالمؤبّد (ألغيت عقوبة الإعدام في تركيا في 2002)،وتجريده من رتبته العسكرية.
ثم مات في 2015 ،قبل أن تثبّت المحكمة العليا الحكم عليه،ولم تُجرَ له جنازة رسمية، كما هي الحال مع الرؤساء السابقين،ولم يشارك أي سياسي من أي حزب في جنازته العسكرية، حتى إن البعض احتفل يوم وفاته ورقص في الشارع “بالطبل والزمر”.
اليوم ،إسأل أي طفل في الشارع التركي، من هو مندريس ؟وماذا يمثّل؟ ومن هو أفرين؟ وماذا يمثّل؟. أكثر من ذلك، أولئك المدافعون المتحمّسون سابقاً عن أفرين، لم يعد يسمع لهم صوت، بغض النظر أكانوا مخدوعين ،أم منتفعين ،أم مقتنعين، لم يعد هناك من “يجرؤ” على الدفاع عن الانقلابات العسكرية ووضعها في خانة “حماية الوطن من المخاطر”،إلا أفراد قليلون، لا يقدّمون ولا يؤخّرون.
الأهم، ربما من كل ما سبق ،أن الشعب نفسه، الذي صمت واستكان في الانقلابات السابقة بلا فعل ولا حيلة، نزل إلى الشوارع في انقلاب 2016 ،ووقف في وجه الدبابات، وقدّم الدم ليرى الانقلاب وقد فشل،ثم أصبح أحد أهم أسباب الالتفاف حول اردوغان والعدالة والتنمية بالنسبة للكثيرين، أنهم “ضمانة” لعدم عودة الانقلابات العسكرية.
هناك مشهد آني يفرض نفسه بمنطق القوة، وهناك مآلات تفرض نفسها بقوة المنطق والحقيقة والحقوق والحق، إن وجد من يعمل لها بحق.

*كاتب فلسطيني

(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق