مقالات

أحباب حماس ينقضّون عليها

أوّاب إبراهيم المصري*

كلما صدر عن حركة حماس،موقف إيجابي تجاه إيران، تواجه الحركة عاصفة من الانتقادات والاتهامات. بعد وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ،والصمود الأسطوري الذي قدّمه القطاع، ونجاح حركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى في تكريس توازن رعب جديد مع الاحتلال، وجدت قيادة الحركة أنه من المناسب توجيه الشكر لكل من كان له دور في تحقيق الانتصار والصمود، ومن بين هؤلاء إيران. ردة الفعل هذه المرّة لم تكن بالحدّة التي جرت اعتادت عليها الحركة، فربما اقتنعت شريحة واسعة من المنتقدين بدور إيران في دعم المقاومة الفلسطينية، وباتت “تبلع” شكر حماس لها وتتفهّمه.
الجديد هذه المرّة،أن مسؤولين في حركة حماس لم يكتفوا بشكر إيران بل أبدوا -بدون مناسبة- ودّاً تجاه النظام السوري ورئيسه بشار الأسد ،الذي لم يسمع أحد بأنه قدّم دعماً أو مساندة للمقاومة الفلسطينية منذ عقد من الزمن. فمنذ خروج حركة حماس من سوريا عام 2012 ،كان خطاب النظام السوري ورئيسه سلبياً تجاه الحركة ومعادياً لها، وهذا دفع كثيرين للتساؤل عن المصلحة من التقارب والودّ اليوم، والمصلحة من توجيه التحية لنظام انشغل طوال السنوات الماضية بقتل شعبه، ولم يقدّم شيئاً للمقاومة في فلسطين؟. وكما كان يحصل بالنسبة لإيران، شنّت شريحة واسعة من جمهور حركة حماس ومؤيّديها، خاصة السوريين هجوماً لاذعاً وقاسياً وحاداً تجاه حماس ،وتحديداً تجاه المسؤولين في الحركة، الذين عبّروا عن رسائلهم الإيجابية تجاه النظام السوري ورئيسه.
الواضح ،أن قرار التقارب مع النظام السوري، ورسائل الودّ لرئيسه ،لم تكن زلّة لسان من قيادي أو اجتهاد من مسؤول، بل قرار لدى قيادة الحركة، وإن كان بعض من تولّى توجيه الرسائل زاد من جرعة الودّ والإيجابية. ولو لم يكن الأمر كذلك، لصدر نفي أو تصحيح من قيادة الحركة،لكن ذلك لم يحصل.
أزمة الساخطين على مواقف حماس تجاه النظام السوري مرتبطة بموقف أخلاقي وإنساني يتعلّق بما ارتكبه هذا النظام -ومازال- بحق شعبه. فكيف لحركة مقاومة ترفع لواء تحرير فلسطين والدفاع عن الأقصى ،ومواجهة عدوان “إسرائيل” ،أن تضع يدها بيد “مجرم” قتل عشرات الآلاف ،وعذّب، واختطف ،وشرّد مئات الآلاف من أبناء شعبه. الساخطون أغفلوا أن حركة حماس تمدّ كذلك أواصر الودّ مع النظام المصري، الذي نفّذ انقلاباً عسكرياً أطاح برئيس جمهورية منتخب وقتل المئات من شعبه المؤيدين للشرعية في مجزرة شهد عليها العالم، ويعتقل في سجونه الآلاف من خيرة الشعب المصري. رغم ذلك ،تحرص قيادة حماس في كل مناسبة على توجيه الشكر للقيادة المصرية، خاصة بعد دورها في التهدئة ،ووقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة،لكننا لم نسمع انتقادات نافرة من مصريين على هذا الأداء،رغم أن ما ارتكبه النظام المصري ،لا يقلّ بشاعة ودموية عمّا ارتكبه النظام السوري،فلماذا تفهّم المصريون موقف حماس ،وأحسنوا الظنّ بها، فيما لا يتفهّم آخرون هذا الموقف تجاه النظام السوري؟!.
الولايات المتحدة ،قدّمت دعماً ومساندة للمعارضة السورية مباشرة ،أو من خلال غضّ النظر عن الدعم المقدّم من بعض الدول، وهي قتلت آلاف الأبرياء في أفغانستان والعراق وغيرها، وهي الداعم الأكبر لـ”إسرائيل”، لكن أحداً لم ينتقد أو يتهم المعارضة السورية،حين تلقّت الدعم من واشنطن، وقدّروا الحاجة إليها.
الإشكالية التي أثارتها الانتقادات الموجّهة لحماس ،دفعت للتساؤل حول الضابط في تحديد العلاقة مع الآخرين.فما هو المعيار الذي يمكن من خلاله معرفة ما هو مسموح أخلاقياً وإنسانياً وشرعاً ببناء العلاقة مع الآخرين. هل هو مرتبط بحجم الجرائم التي يرتكبها هذا الطرف أو ذاك، أم نوعيتها، أم حداثتها أم ماذا؟! الاتفاق على هذا المعيار، سيوفّر الكثير من الطاقة على الذين يستهلكون أوقاتهم في انتقاد شرفاء الأرض، فقط لأن هؤلاء الشرفاء يسعون لبناء علاقة مع جهات لا تروق لهم ويناصبونها العداء.

* كاتب لبناني

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق