مقالات

أعلام الأمة (1) د.فضل حسن عباس

د.أحمد نوفل أستاذ الدكتور فضل حسن عباس، أبو محمد، ابن عباس الأردن
مواليد صفورية من أعمال صفد، هاجر أهله من فلسطين وقت نكبة فلسطين بالاحتلال الصهيوني سنة 48، هاجروا إلى جنوب لبنان وعاش فيها مع أهله ردحاً من الزمن، وفيها أكمل تعليمه وعمل ثَم، ثُم كان انتقالهم إلى الأردن، درس في الأزهر، وخاله الشيخ يوسف أحد شيوخ الأزهر، أيام كانت الكفاءة تقدم الشخص وليست مشيخة الأزهر حكراً على علماء مصر مع تقديرهم.
عرفتُ الشيخ -رحمه الله- عندما دخلت كلية الشريعة ونحن الفوج الثاني الذي درس فيها سنة 1965 وسبقنا فوج في سنة التأسيس في مبنى بجوار مسجد الشريعة بجبل اللويبدة، وكان منهم الشيخ حامد البيتاوي -رحمه الله- وهو الذي قدّم أوراقي إلى كلية الشريعة، وكان الطلبة لا يقبلون بمجرد الشهادة، وإنما بعد مقابلة، وكانت مقابلة وذلك سنة 1965 وتبعني بعد أن غادرت مبنى الكلية متوجهاً إلى العبدلي لأعود إلى نابلس، أقول تبعني المدير الإداري للكلية يبشّرني بالقبول، ولا أعرفه وقتها ولا يعرفني وهو الأخ العزيز أحمد أبو طالب، أبو شهاب، رجل والرجال قليل.
خلاصة القول: في الكلية تعرفت إلى أستاذي الشيخ وأول تعرف قريب كان بعد الامتحان.
وكانت الأوراق مخفية الأسماء، فحمل ورقتي إلى مسؤول الامتحانات في الكلية الشيخ سعيد -رحمه الله، فقال: ها قد سلمت النتائج لكن أريد أن أعرف ورقة من هذه ففتح الاسم وقال فلان، ومن يومها أصبحت أحد أقرب مقربي الشيخ، وأحمد الله أني قرأت له مواد دراسته للماجستير، وكان يُدرسنا وهو بالبكالوريوس، لكنه في تلك المرحلة يفوق حملة الدكتوراه، ثم درس الدكتوراه وعاد إلى الكلية بالطبع، وبقي حتى انتقل إلى رحمة الله.
وكنت أمشي من اللويبدة إلى منزله بالنزهة مشياً وأعود كذلك فما معنا ما ندفع به المواصلات على زهادة قيمتها وقتذاك، لأقرأ له من العصر إلى العشاء ثم أغادر.
ولا أنسى فضل الشيخ فضل -رحمه الله- فبعد فصلي الأول من الجامعة نزلت إلى وسط البلد وقابلت بعض الأصدقاء واتفقنا على فتح محل لبن وتكلفته (300) دينار وقتذاك فلجأت إلى الشيخ فأعطاني المبلغ وكان ادخره لسفره على أن يعاد وقت حلول موعد سفره وقد كان ووفّق المحل وفتح فروعاً بعد أن غادرته عائداً إلى الجامعة، وتلك قصة أخرى لعلي أتكلم عمن كان بفضل الله سبب عودتي إليها وهو الأستاذ الدكتور محمود إبراهيم -رحمه الله.
وظللت أزور الشيخ في بيته وأولاده من طلابي والحمد لله، والأخت سناء أكملت الدكتوراه في التفسير على خطى والدها وأحد الأبناء طبيب والآخر مهندس.
ومن عجائب الشيخ ومجلسه مشهود لا ينقطع الضيوف والتلاميذ يوماً.. ولا أعرف أحداً كان بهذه المثابة كالشيخ.
أقول من عجائبه أنه كان يقول لي: هات لي الجزء 19 من تفسير معين كالآلوسي مثلاً فأسحبه من المكتبة بعد أن يشير إليّ على مكانه، فيتناوله منّي فيفتح الكتاب بلا مبالغة على المطلوب، قد يتجاوز صفحة أو صفحتين فقول اقرأ.
أما علم الشيخ باللغة فكأنه أستاذ في قسم اللغة العربية، وفي الفقه وأصوله كأنه كذلك، وفي الحديث كأنه كذلك، أما البلاغة فهو فارس معلم فيها وكتابه شاهد على تمكنه.
وحافظته الشعرية والعلمية عموماً إحدى عجائبه رحمه الله.
وأما ضبطه للفصل الدراسي فالكل يشهد أنه لا يستطيع أحد أن يسهو أو يهمس أو يتأخر، وقد لا يُتصور إذا قلت إن طالباً حرّك المسبحة في يده فقال: يا فلان، ضع المسبحة في جيبك.
حزم صارم لا يسمح بسهو ولا ضياع دقيقة وقد يدخل طالب متأخراً دقيقة فينادي باسمه كأنه يبصره.
وجل أساتذة الشريعة الآن من تلاميذه، وكلهم موفق متفوق فقد تعلموا على يديه في الكلية ودروسه المنزلية في البلاغة واللغة والفقه والحديث والتفسير.
قراءته للقرآن قراءة متميزة متفرد هو بها فيخفض صوته ويرفعه ويقف عند الكلمة، فهي بذاتها عملية تفسير.
وأما الشيخ فضل الخطيب فحدّث عن البحر ولا حرج، صوت مجلجل وجرأة في الحق واتزان ودقة والتزام بخيط الموضوع ووعي عميق على الأحداث ومتابعة حثيثة لا يغيب عنه موضوع مستجد أو حدث، فوعيه السياسي يفوق الوصف.
وماذا نقول عن قيامه الليل في رمضان بالناس في صلاة التراويح وذلك الصوت العذب ينساب إلى القلوب والأسماع فتذرف العيون وترق القلوب لأن التلاوة صدرت من قلب تذوق حلاوة القرآن وعقل قضى عقوداً يفسر القرآن ويعلم الناس كيف يفهمون القرآن، وذوق عال في آيات القرآن.
رحم الله أستاذنا، فكلماتنا أعجز من أن تفيه بعض حقه، ولقد ترك خلفه مئات من التلاميذ كلهم صدقة جارية في رصيده إن شاء الله، وجعله الله مع خاصته من أهل القرآن والدعوة لإحياء القرآن في القلوب والمجتمعات.
سلام على الشيخ فضل عباس سلام معطر بأنفاس الزهور، ودعوات إلى الكريم الغفور سبحانه أن يلحقه بالصحابة الكرام أبي وابن عباس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق