تقارير و تحليلاتعام

هل ينصف التاريخ عدنان أبوعودة الذي رحل وقد أسيء فهمه من الأردنيين والفلسطينيين معا ؟!

بقلم: حسام الدلكي *
رحل عن هذة الفانيّة مؤخّرا، وزير الإعلام ووزير الخارجية الأردني سابقا، عدنان أبوعودة،الذي ولد في مدينة نابلس/ فلسطين عام 1933 … وقد انتسب في شبابه إلى حزب التحرير الإسلامي، ثم تحوّل لاحقا إلى النقيض بالانضمام إلى الحزب الشيوعي، ولكنه سرعان ما اختلف مع الحزب وتركه .. عمل مدرّسا في مدينة السلط، لمساعدة أهله ، وتزوّج هناك فتاه سلطيّة ، التي أصبحت لاحقا أم سعيد زوجتة أم أبنائه … أكمل تعليمة الجامعي،وعمل معلّما في الكويت،وفي إحدى إجازاته الصيفية،التحق بالمخابرات الأردنيّة من خلال مؤسّسها صديقه محمد رسول الكيلاني، زميله السابق في حزب التحرير ، ولاحقا زميلة في التعليم… بداية، رفض أبوعودة العرض،وقال له: يا أبا رسول أنا حزبي سابق (ولست تبع )مخابرات، وقال له بالعامية: أنا تبع ديستوفسكي، ومكسيم جورجي،وتبع أدب عالمي، ولن أستطيع أن أكتب تقارير بأحد ؟…هنا أقنعه محمد رسول الكيلاني، أنه سيعمل في مجال مكافحة التجسّس الصهيوني، وترجمة التقارير عن الكيان الصهيونى.. كانت هذه وظيفتة المعروضة عليه، فوافق أبو عودة، وأصبح ضابطا برتبة نقيب … زار الملك الراحل الحسين بن طلال دائرة المخابرات العامة،و أعجب جدا بقدرة أبوعودة التحليلية، فعيّنه وزيرا للإعلام في أصعب مراحل تاريخ الأردن، أي أيلول ( سبتمبر)1970م، ولاحقا عيّوش وزيرا للخارجيّة ،لتتوالى المناصب من وزير البلاط ،ورئيس الديوان الملكي ،ومندوب الأردن في الأمم المتحدة..
لقد أقحمت نفسي في الكتابة بهذا الموضوع، لأني قرأت قبل فترة وجيزة يوميّاته ..هذه اليوميات عشتها معه لحظة بلحظه ،الأمر الذي دفعني إلى متابعة محاضراته، عبر اليوتيوب ، وتوقّفت أمام نقاط ساخنة معيّنة حمّالة أوجه! وأستطيع الإدلاء بدلوي في نقاش حواري هاديء لمن يرغب في ذلك ..
أعترف بداية، أن هذا الرجل موسوعة ثقافية شاملة قلّ نظيرها، وهذا براييّ سبب وجيه، أن يكون محل ثقة الملك الراحل الحسين ، فكان مستشارا سياسيا له، ولاحقا مستشارا سياسا للملك عبد الله الثاني ،قبل أن يشيّ به عبد الرؤوف الروابدة ،وفايز الطراونة، حسب ما صرّح به هو نفسة !!! .. فمن خلال اليوميات ، لاحظت أنه كان ذا تأثير قوي على قرارات الملك حسين ،أوجزها في ثلاثة مفاصل كبيرة ومؤثّرة في تاريخ الدوله الأردنيّة:
أوّلا، قوله للملك حسين بعيد معركة الكرامة عام 1968، أثناء زيارة الملك لدائرة المخابرات العامّة، أن عرشك أصبح في خطر، فغضب الملك ومدير المخابرات العامّة محمد رسول الكيلاني من فجاجة أبوعودة، وهو يخاطب الملك، إذ أكمل قائلا: إن لم تحسم أمرك يا جلالة الملك مع المنظمات الفلسطينيّة، فهم سيحسمون أمرهم معك، إذ إنه كضابط في المخابرات، لاحظ توسّع هذه المنظمات ،ودخولها المدن الأردنيّة قادمة من الأغوار، ولاحظ من خلال عدة مصادر ، إختراق المنظّمات من قِبل الأجهزة الصهيونيّة ،عدا عن اختراقها من أجهزة أمنيّة عربية ، ويروي بهذا الخصوص، أنه سافر خصّيصا لدمشق مع مدير المخابرات العامة مضر بدران ،وتواصل مع ياسر عرفات،وقيادة المنظّمات،وأخبروهم عن أسماء جواسيس يعملون لصالح الكيان الصهيوني، وفعلا بعد عام ونصف من معركة الكرامة، وكما توقّع أبوعودة، خرجت عمّان، ومعظم المدن الأردنيّة عن السيطرة، واصبحت فوضى عارمة، ليس لها علاقة بتحرير فلسطين لا من قريب ولا من بعيد، وحصل ما لم يحمد عقباه وهو الصدام ، فرجع الملك وأخذ برأي عدنان ابو عودة..طبعا عجّل في ذلك خطف الطائرات الثلاث في منطقة المفرق ،وتصريحات اليسار المغامر وقتها،أن كل السلطة للمقاومة ،ورفع الرايات الحمراء فوق المساجد والكنائس !
الثاني، في مؤتمر الرباط عام 1974، عندما أراد عرفات انتزاع قرار عربي، أن منظمة التحرير الفلسطينية ، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.. رفض الملك حسين ذلك، وسبّبه أن الكيان الصهيونى، لا يمكن له أن يتعامل مع المنظمة، وبذلك ستضيع الضفة ،وتغرق بالمستوطنات مع الوقت (وهذا ما حصل ) ،وتحت ضغط العرب ، نصحه أبوعودة أن يترك العبء على عرفات، لأن مصر السادات مصرّة جدا على انتزاع الضفة من وصاية الملك، فأخذ الملك بنصيحة أبو عودة،وهنا يضيف أبو عودة ، كانت الضفة مسؤولية الأردن والملك حسين أخلاقيا، لأنها ضاعت في عهده ،وكان له مجال واسع للمناورة ،كملك له وزنه الدولي، ودولته المعترف بها، وكان الملك في أسوأ تنازلاته سيقبل ب 242، أي إعادة الضفة ، أما ياسر عرفات، فماذا فعل بعد ان أصبح ممثّلا شرعيا ووحيدا ؟ … تنازل عن فلسطين التاريخية ، ومعظم أراضي الضفة ، وقَبِل كانتونات منفصلة عن بعضها ومحاصرة، اسمها السلطة الفلسطينية، ومن أهم واجباتها التنسيق الامني مع الاحتلال ،وأردف قائلا : لا يمكن للملك أن يفعل ذلك ، وأسبابه : أن الملك لم ينس مقتل جده الملك المؤسّس عبدالله الأوّل أمام عينيه في القدس ،بسبب اتّهامه بضياع فلسطين ،والتخابر والتنسيق مع العدو ،والسبب الثاني، أن الملك حسين لا يمكن أن يخسر شعبيتة أمام شعبه بشقيّه الفلسطيني والأردني، لأنه يعرف أن القضية مقدّسة، وليست تكتيكا يضعة في جيبه لجمع تبرّعات الدول المانحة( يقصد عرفات )
ويضيف أبوعودة أن قرار الرباط ليس كمن بعده، فمثلا ، كان العالم يتعامل على أن الضفّة الغربيّة ، هي أرض أردنيّة، يجب إعادتها إلى الملك…ولكن بعد الرباط، أصبحت الضفة الغربيّة أرضا متنازعا عليها بين الأردن ومنظمة التحرير، فأضعف ذلك موقف الأردن التفاوضي،الذي ترك للمنظمة التفاوض عليها، فلم تنجز دولة أبدا ( الخطورة بهذا الطرح، أنها كانت خطة هنري كيسنجر ، التي مرّرها لوزير الخارجية المصري،الذي بدورة اقنع بها السادات)!
الثالث ، فك الارتباط مع الضفّة الغربيّة ،بعد بيان الانتفاضة الأوّل، وهو البيان الثاني عشر ، فقد كان الملك حسين حينها غاضبا، وينفث سيجارته بحزن شديد في مكتبه بالديوان الملكي، فنصحه أبوعودة أن يفكّ الارتباط الإداري مع الضفة ويرتاح، تاركا الامر لقيادة المنظمة، لأنّها مصرّة جدا على ذلك، وهناك توجّه داخل الضفة نحو ذلك ، وهو ما حصل لاحقا. أوجزت لكم ثلاث محطات مفصلية ، دون إبداء رأيي الخاص،لأن الخوض بها يحتاج إلى كتاب، ولكن هذه وجهات نظر عدنان أبو عودة ،وكل شخص يستطيع أن يراها من زاويته الخاصة.
كان عدنان أبوعودة، محل تقدير كبير من النظام ، كابن خدم النظام بإخلاص، وكان رجلا مثابرا ،ومثقفا رفيعا ، باللغتين العربيّة والإنجليزيّة،وجالس معظم عتاولة السياسة في ذلك الزمان ، وتميّز بآراء تحليلية، وإعجاب كل من تعامل معه، وحسد من بعض المنافسين أيضا ، وكان في مرحلة من المراحل محبوبا عند المكوّن ( شرق الأردني )!
بعد تقاعده ، وتفرّغه للكتابة والبحث ، ألّف كتابا باللغة الانجليزية، كان عنوانه (الفلسطينيون والأردنيون وصيرورة السلام )، وقد جرّ له هذا الكتاب مآس وويلات كبيرة ،وأصبح بين ليلة وضحاها (فلسطيني )بنظر الأردنيين،وعميل وخائن بنظر الفلسطينيين !إذ لم يرض عنه لا هذا ولا ذاك! وكانت المفارقة، أن الكتاب كان سببا في استدعاء دائرة المخابرات العامة له للتحقيق معه !!!
لقد خاض أبوعودة في كتابه بالمسكوت عنه في السياسة الرسمية للنظام ،أو قوى الشد العكسي حسب وصفه، وتحديدا ما يتعلّق بالقانون الانتخابي، الذي يحجّم صوت المكوّن الفلسطيني والإسلاميين، ويساعد على أردنة الوظائف، فلا تجد في الجيش والأمن والدفاع المدني والمخابرات وغيرها من المؤسّسات،حضورا للمكوّن الفلسطيني ، وعلى الرغم من ذلك،يدفع الأردنيون من ذوي الأصول الفلسطينية الضرائب، ويتقاسمون العيش بخيره وشره مع إخوانهم شرق الأردنيين،وهو الذي دفع أبوعودة للتساؤل: كيف يُطلب من الفلسطيني أن يدفع الضرائب،وأن يثبت دائما انتماءه للأردن ، وهو مقصى من معظم وظائف الدولة ؟! ويضيف أبو عودة : عندما كان هناك عدالة في التوظيف والتعيين، كان الموظف الأردني من أفضل الموظّفين العرب، والمعلّم الأردني من أفضل المعلّمين العرب ، وبذلك بنينا معظم الإدارات في دول الخليج العربي ، وأسّسنا افضل مدارسه ! ولكن عندما سادت العشائرية في التوظيف والتعيين،أصبحنا نمتلك أسوأ الإدارات، و أسوأ المدارس، واهبط تعليم جامعي … هذا هو نتيجة قانون انتخابات الصوت الواحد ، الذي أنتج برلمانا عشائريا، وبرلمان حيتان ، وكان الهدف منه استبعاد التيار الاسلامي وقواعده الشعبية في المدن والمخيّمات، وبذلك يكون استهدف شريحة كبيرة هم الإسلاميون،ومن هم من أصل فلسطيني ، وأسهل طريقة عشائرية متعارف عليها في الأردن، هي الوعود الانتخابية المبنيّة على التوظيف ، فأصبح أهم شعار انتخابي موجّه للعشيرة، هو وعد الناخبين بالوظائف الحكومية ،لذا أغرقت المؤسّسات بالوظائف ، ويشير أبوعودة هنا إلى أن الوضع الطبيعي بالدول، أن تكون نسبة الوظائف العموميّة في الدول العادية 15 بالمئة، أمّا في بلد يعتاش على المساعدات والهبات والعطايا ، مثل الأردن، فتبلغ نسبة الوظائف العامة 45 بالمئة، أي ثلاثة أضعاف الحجم الطبيعي المتعارف علية دوليا ،ممّا أغرق الدولة بالفساد والمديونية، وتضخّم الإدارة ،وسوء الخدمات،وإفلاس الميزانية…طبعا هنا ، يؤخذ على عدنان أبوعودة ،أنه لم يذكر ذلك عندما. كان في
دائرة صنع القرار ، بل كان شريكا في صناعة القرارات التي احتج عليها لاحقا … أخيرا يبقى أبوعودة مفتاح اسرار صديقه الصدوق الراحل وصفي التل ، ويذكر أبوعودة أن وصفي لم يغتل مرّة، بل اغتيل ثلاث مرات،
الأولى ، عام 1962 ، عندما عيّن رئيسا للوزراء، فوقف ضدة قدماء الوزراء والبيروقراطيين ،واتّهموه بأبشع الاتّهامات،التي وصفها أبوعودة قائلا: هنا عرفنا مصطلح اغتيال الشخصية !
الاغتيال الثاني، وهو اغتيالة في القاهرة، في تشرين ثاني ( نوفمبر ) عام 1972.
والاغتيال الثالث، اتّهامه أنه خان الأردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية، ويقول أبوعودة هنا ،إن وصفي التل ،أفضل من فهم الصهيونية وطريقة التعامل معها، وأنه يعتقد أن المقاومة المسلّحة، هي الوسيلة الوحيدة لتحرير فلسطين،ولكن ليس بايدي ( زعران همل)،وفقا لما نقله أبوعودة على لسان وصفي التل، ويضيف أن وصفي اغتيل ،وهو يحمل ملف تأسيس قوات مقاتلة متمركّزة في الضفة الغربيّة، على أن تكون جادة ومدعومة عربيا .. طبعا روى نفس الرواية ، الراحل محمد داوود(أبوداود)، القيادي في منظّمة ( أيلول الأسود)، الذي قال: اغتيل وصفي ، وهو وفيّا لما كان يومن به ،وقاتل من أجله عام 1948 في جيش الإنقاذ. ويبرهن أبوعودة، أن أهل الخليل ، كانوا أكثر الناس قربا إلى قلب وصفي التل، ويروي رسالة كتبها وصفي لصديقة المقدسي و الذي بعث له رساله من بيروت يصف بها جمال بيروت ، فثارت حفيظة وصفي ، وعاتب صديقة المقدسي، أنه لا يجوز له أن يغادر القدس ليتغزّل في بيروت، وأن أقدس أرض ، هي فلسطين ( الرسالة موجودة في كتاب ابنة عمة السيدة ملك التل ، بعنوان وصفي التل مشروع لم يكتمل).

*ناشط سياسي فلسطيني مقيم في أوروبا.

*(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق