مقالات

الانتخابات الإيرانية: التوجّه نحو الاستبداد الصريح!

بقلم: علاء اللامي*

حملت الانتخابات الأخيرة في إيران، ثلاثة مؤشرات قويّة، لها دلالات مستقبلية سلبية، فرغم أن هذه الانتخابات،لم تختلف عن سابقاتها، من حيث كونها “مفلترة” وموجّهة من قبل السلطة الدينية، ممثّلة بمجلس صيانة الدستور، ولكنها تمخّضت عن المؤشّرات السلبية الثلاثة التالية:
1-انخفاض نسبة المشاركة،باعتراف النظام، لأقل من 50 بالمائة ،ممن يحق لهم الاقتراع، وبلغت تحديدا 44 بالمائة، ولا يمكن اعتبار هذا الرقم الحكومي المعلن صحيحا، وقد يكون أعلى من النسبة الحقيقية بكثير ،علما بأن أدنى مشاركة في انتخابات رئاسية إيرانية بلغت 50.6 بالمئة (عام 1993).
2- منع جميع من يسمّونهم المرشحين الإصلاحيين من المشاركة، واقتصارها على مرشحي التيّار المحافظ المتشدّد، على ما تثيره وتنطوي عليه هذه التسميات من لبس وتحفظات سياجتماعية.
3-بروز خلافات عميقة وعلنية بين قوى ومؤسسات النظام، فقد تحفّظ المرشد خامنئي، والذي يحوز عمليا على أكثر من نصف السلطات في الدولة، على ترشّح بعض أسماء المرشّحين، ولم يتراجع مجلس صيانة الدستور عن قراره بمنعهم،كما وجّه المرشّحون والرئيس السابق أحمدي نجاد -الذي كان من ضمن قائمة المرشحين الممنوعين من المشاركة – اتهامات بالغة الخطورة للأجهزة الأمنية الإيرانية بكونها مخترقة من قبل “إسرائيل” وعلى أعلى المستويات.
وإذا ما أضفنا إلى هذه المؤشّرات، الواقع الطبقي الفعلي لنظام الحكم ،ونمط انتاج السائد كنظام رأسمالي صريح واقعا، رغم وجود جزر “رأسمالية الدولة” المتناثرة ممثّلة بمشاريع مليشيات الحرس الثوري الاقتصادية، فإن هذه المؤشّرات تؤكّد للمراقب، أن نظام الحكم الإسلامي الشيعي بدأ يخسر حاضنته المجتمعية بقوة، وهو يتقدّم نحو حالة العزلة المتفاقمة، والاستبداد الصريح ،ما ينذر بعواقب سياسية ومجتمعية وخيمة.
*استدراك أول: أعتقد أن آخر من يحق لهم نقد وهجاء الوضع الانتخابي في إيران، هم منظّرو ومحازبو أنظمة الحكم القبلية المتخلّفة في المحميات النفطية الجزيرة والخليج العربي، فإيران رغم كل شيء،تدافع بشراسة عن استقلالها الوطني ،على الرغم من استبدادية نظامها ،وتناهض الغرب الإمبريالي والكيان الصهيوني، وتُجرى فيها انتخابات مقيّدة (هنا ينبغي التفريق بين أنظمة الحكم الانتخابية المتدرّجة نوعا ،من أنظمة استبداية تجري انتخابات واستفتاءات ذات نتائج مضحكة مسبقة تفوق التسعين بالمائة، لمصلحة أهل الحكم وأنظمة الحكم الديموقراطية المباشرة ،فليس كل نظام حكم انتخابي ديموقراطيا) ،ولكنها تبقى أنظمة حكم انتخابية، وأفضل من الأنظمة الأوتوقراطية الوراثية في دول أخرى عربية وغير عربية، التي تحكم شعوبها بالحديد والنار والسيف، والحماية الأجنبية.
استدراك ثانٍ: أما نقاد الانتخابات الإيرانية، من جهة اليمين الليبرالي ،فعليهم أن يتذكّروا أن نسب المشاركة في بعض الدول الليبرالية العريقة ،لا تزيد عن النسبة الأخيرة في الانتخابات الإيرانية، بل قد لا تتجاوز الثلاثين بالمائة من الكتلة الناخبة، وأن الحكم في غالبية الدول الأوروبية العريقة ،هو حكم الحزبين الأوحدين المتناوبين على السلطة ،كما هو الحال في بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة … أي أن النموذج الانتخابي الأوروبي الغربي، ليس هو النموذج الأمثل في الحكم، وبناء الدولة الديموقراطية.
استدراك ثالث: تبقى تجارب “الديموقراطية المباشرة” ،كحكم المجالس الشعبية ،هي البديل الأكثر جدوى وتعبيرا عن إرادة الشعوب، والتجربة السويسرية “حكم الكانتونات المتحدة” ،هنا تستحق التنويه والدراسة، لكونها تختلف جذريا عن سواها في أوروبا الغربية والعالم، وقبلها كانت التجربة السوفيتية قصيرة العمر، والتي انتهت الى الفشل والحكم الاستبدادي، بعد سنوات قليلة لم تتعدَ السنتين أو الثلاثة على قيامها.

* كاتب عراقي

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق