مقالات

لماذا يؤيّد المسيحيون السيسي؟

بقلم : هاني سليمان *
لا جدال أن الغالبية العظمى من المسيحيين المصريين يؤيّدون السيسي ويدعمون حكمه، وكانوا أول من فوّض السيسي للقيام بالانقلاب العسكري، وأول من أيّد الانقلاب عندما وقع فعلا، وهم حتى الآن محافظون تماما، في أغلبيتهم الساحقة، على هذا التأييد والتدعيم والتفويض، رغم أن كثيرا من المسلمين الذين أيّدوا السيسي وانقلابه العسكري، عدلوا عن هذا التأييد، وبعضهم بدأ في انتقاده ومعارضته، بل إن بعضهم قد اعتقل ولفّقت لهم تهم مختلفة وحوكم بسببها.
فلماذا يؤيّد المسيحييون المصريون السيسي على طول الخط، ومن أول القصة وحتى نهايتها؟!
المسيحيون في مصر أقليّة، وأي أقليّة، سواء كانت أقليّة دينية أو عرقية أو قومية أو اجتماعية، نعتقد أن من مصلحتها أن تلتف حول حاكم البلاد، ليس حبا فيه بل طلبا للحماية من الأغلبية السائدة، التي يمكن أن تضطهد تلك الأقلية، أو التي ربما تكون تضطهدها بالفعل.
حتى لو كان هذا الحاكم ديكتاتورا، ويمارس ديكتاتوريته وطغيانه على الشعب كله بلا تفرقة بين دين أو عقيدة أو عرق أو قومية، فمن الأفضل لتلك الأقليّة أن تظهر الولاء التام والطاعة الكاملة للحاكم، وبلا اعتراض أو انتقاد له أو لسياسته، حتى تبعد أذاه وشره عنها وتعيش في أمان وسلام، بينما يتفرّغ الحاكم لممارسة طغيانه على الأغلبية من شعبه، وبعيدا عن الأقلية الراضية المستكينة المستأنسة.
أيضا المسيحيون في مصر عندهم خوف كبير ورعب هائل من تيار الإسلام السياسي في مصر، وأخشى ما يخشونه أن يتمكّن تيار إسلامي من الوصول إلى حكم مصر، وهو ما حدث مرة فعلا عندما فاز الإخوان المسلمون بأغلبية مقاعد البرلمان بمجلسيه، ثم جاءت الضربة القاصمة عندما فاز محمد مرسي الإخواني برئاسة مصر.
نتذكّر جميعا أن الإعلام المغرض المأجور وقتها أخذ في تخويف وإفزاع المسيحيين من جراء وصول الإخوان إلى الحكم، بالقول إن الإخوان سيفرضون الجزيّة على المسيحيين، وأنهم سيطبّقون قوانين المواريث الإسلامية عليهم، وأنهم سيغرقون أو يهدمون الكنائس، وسيمنعون دراسة الدين المسيحي في المدارس، وسيجبرون المسيحيات على الزواج من الرجال المسلمين، بل سيقومون بخطف الفتيات المسلمات لتحويلهن إلى الإسلام بالقوة، وسيطلقون جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشوارع، والتي ستعنّف وتضرب أو تقبض على النساء غير المحجّبات من المسلمات وغير المحتشمات من غير المسلمات…الخ الخ.
طبعا هذه الإشاعات الخبيثة والمغرضة والمتعمّدة تماما، كانت كفيلة بإثارة خوف ورعب المسيحيين من جديد، إلى جانب الخوف الموجود مسبقا، فكان من الطبيعي أن يكونوا من أول المعارضين لحكم مرسي الإسلامي، ومن أول المؤيّدين للانقلاب العسكري عليه.
لكن في الحقيقة، يجب ألا ننكر أن هناك بالفعل تيارا متشدّدا يحرّك الكراهية نحو المسيحيين في مصر، ومن ينكر هذا يكون مغالطا لنفسه وللحقيقة وللعدل، فيكفي مثلا أن نلقي نظرة على وسائل التواصل الاجتماعي،لنجد أن هناك كثيرين يناقشون حتى الآن قضايا جدليّة أثيرت منذ 1400 سنة منذ ظهور الإسلام، حول حقيقة الدين المسيحي، وحول طبيعة المسيح، وحول الأعياد والاحتفالات الدينية المسيحية، وحول جواز أو عدم جواز تهنئهم بها، ومنهم كثيرون يحاولون إثبات خطأ العقيدة المسيحية، واتّهام المسيحيين بالضلال والكفر وتحريف الدين المسيحي، ويقومون بالسخرية من موضوع التثليث، وإلى آخره من القضايا والمواضيع الدينية و/أو التاريخية الجدلية، والتي لم ولن تغيّر من إيمان المسيحيين بعقيدتهم، ولن تؤديّ إلى تحولهم إلى الإسلام، لكنها فقط تثبت لهم كراهية بعض المسلمين لهم، وتؤكّد لهم الاضطهاد الذي يعانون منه، أو الذي يعتقدون أنهم يعانون منه.
على الجانب الآخر، ورغم أن المسيحيين أقليّة في مصر، إلّا أن هذه الأقليّة ، بقيادة الكنيسة القبطية المصريّة، لها صوت مرتفع ومسموع لدى الغرب، وخاصة عندما تتعالى أصوات المسيحيين المصريين بالاضطهاد الديني الذي يعانون منه في مصر، سواء كان هذا حقيقيا أم غير حقيقي، وسواء كان حاضرا أم كان تاريخا، وكما نعرف ونرى ونسمع، فكثيرا ما يكفي أن يطلب مسيحي مصري اللجوء إلى بلد أوروبي أو إلى أمريكا، مدّعيا أنه يعاني من الاضطهاد الديني، ليقبل طلب اللجوء سريعا وربما فورا.
هذا الصوت المسموع في الغرب، يجعل السيسي في المقابل يسعى للحصول على تأييد المسيحيين المصريين، وعلى دعم الكنيسة الأرثوذكسية القويّة داخليا وخارجيا، وإقناع الغرب أنه يحمي الأقليات الدينية في مصر ويمنع اضطهادها، وبالتالي يلتف المسيحيون المصريون حوله أكثر ويؤيّدونه أكثر وأكثر، وتكون العلاقة بين الطرفين علاقة إفادة واستفادة ومنفعة متبادلة ومستمرة وقوية، داخليا وخارجيا أيضا.

  • كاتب وباحث مصري.
  • (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق