مقالات

رسالة مفتوحة وعلنيّة لسمو ولي العهد السعودي

بقلم: د. وليد عبد الحي
سمو الأمير محمد بن سلمان المحترم
تحية طيبة وبعد..
من الصفوف الخلفيّة للمجتمع العربي أتحدّث لكم ، وأعلم المسافة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بيننا، فأنا استاذ جامعي قضى 42 سنة في تدريس الدراسات المستقبلية في العلاقات الدولية في العديد من الجامعات ومراكز الدراسات ، وأنت ولي عهد لدولة عربية ذات امكانيات اقتصادية ،ومركز ديني، وموقع جيواستراتيجي هام، فقد لا يكون لصوتي أي صدى، لكني سأغامر بهذا الصوت، فهو حصيلة عدتي وعتادي.
في بداية الحرب اليمنية المعاصرة، وعلى شاشة محطة فضائية، أعلنت تقديرك لمدة الحرب مع اليمن ،بأنها لن تستغرق أكثر من أسبوعين إلى ثلاثة، وها نحن نقف-وبدقة- يا سمو الامير على أبواب الأسبوع رقم 315 (ثلاثمائة وخمسة عشر” أسبوعا)، وبدلا من لجم هذا الصراع، ها هو يتصاعد في حدّته، ويتّسع في مجاله الجغرافي، وتتراكم الخسائر الاقتصادية لمنطقة الخليج من الانفاق على الحرب، ناهيك عن الخسائرالبشرية، وتعميق الكراهية بين الشعوب بما يعيق أي تعاون مستقبلي…
يومها سمو الامير، كتبت أنا- وهو منشور- أن هذه الحرب قد تمتد لحدود العقد ، وها نحن يا سمو الأمير على أبواب العام الثامن بعد شهرين.
أعلم من قراءة التاريخ السياسي، أن الحساب الخطأ في الحياة الدولية أمر مألوف، لكن إعادة النظر في الحساب، يحتاج لأمرين هما: التوازن النفسي لمتّخذ القرار أمّا هول الخطأ في الحساب أولا، والقدرة على اعادة الدور للتفكير العقلاني ثانيا، ومن الواضح أن قرار التدخّل في اليمن، هو قرار تم اتخاذه دون صناعة قرار ، وهو في تقديري الخطأ الاستراتيجي الكبير في هذه الحرب.
سؤالي أوّلا –سمو الامير المحترم- هو : ما هي دوافع التدخّل في الشأن اليمني من وجهة نظر سعودية ،التي اسمح لي سمو الأمير بكل الاحترام والتقدير، أن أحدّدها بناء على فهمي لبنية السلطة السعودية ومنظورها السياسي :
أ‌- القلق من اتّساع النفوذ الايراني من حولكم، وتمدّد الحس الثوري في باطن المجتمع السعودي ليصل لبعض الثقافات الفرعية في هذا المجتمع، مما يفتح المجال أمام احتمالات تغيير في السلطة السعودية.
ب‌- الاعتقاد أن كبح القوى السياسية في الإقليم العربي، تحديدا ذات الصلة بإيران أمر استراتيجي، وهو أمر بدأت به بلادكم منذ اندلاع الثورة الايرانية( وبخاصة بعد المحاولة التي قادها جهيمان العتيبي في نفس العام الذي قامت فيه الثورة الايرانية)، ثم مساندة العراق طيلة فترة الحرب العراقية الايرانية، تحت ضغط وهم بأن صدام حسين سيخرج منتصرا من الحرب ويقيكم شر الثورة الايرانية.
ت‌- الاتّساق مع مطالب أمريكية لتكون السعودية جزءا من التطويق الامريكي للثورة الإيرانيًة، وهو أمر تتناغم معه قوى اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وبالتالي تعزيز دوركم الإقليمي بدعم أمريكي.
ث‌- تأكيد المكانة المركزية للسعودية في مستويين: الأوّل، منهما النظام الاقليمي الفرعي(الخليج ومجلسه التعاوني)،والنظام الإقليمي العربي، بخاصة بعد الذبول المتواصل للدور المصري والعراقي والسوري.
ولكن، ماذا كانت النتائج لسياساتكم تجاه إيران (بغض النظر عن أي تقييم للسياسة الايرانية):
1- فشل عراقي تام،وبدلا من نظام عراقي معاد لإيران، أصبحت أهم دولة عربية لإيران (وهو أمر أقر به وزير خارجيتكم الأسبق المرحوم الأمير سعود الفيصل).
2- أصبحت القوى المساندة لإيران، هي الأكثر وزنا في بيئة السلطة السياسية في دولها ، فها هم الحوثيّون في اليمن ،وحزب الله في لبنان ،والحركات الاسلامية في غزة ، ناهيك عن قدرة إيران على بناء جسور علاقة ودية مع تركيا، التي راهن الغربيون كثيرا على احتمالات الصدام الإيراني معها استنادا للارث التاريخي والتنافر المذهبي بينهما .
3- إن سياسات اللبرلة السعودية خلقت تشقّقات في الأسرة الحاكمة، وفي إضعاف السند المعنوي (الوهابية)، إلى جانب الثغرات الاقتصادية التي قد تبدو محتملة في المدى القريب،ولكنها أكيدة في المدى البعيد.
4- بدلا من جر قطر بعيدا عن إيران،أصبحت هي الأقرب لطهران، وإصبحت الإمارات هي الشريك التجاري الأوّل لطهران في المنطقة، وتلتزم كل من سلطنة عمان والكويت قدرا من المسافة بينها وبينكم في الموقف الاستراتيجي –لا التكتيكي- من إيران .
بناء على هذه المقدّمة الطويلة، أنقل لك الضجيج العميق في الصفوف الخلفية للمجتمع العربي ب” عبثية” هذه الحرب، ومن الضروري التنبّه إلى أن التراجع عن القرار أمر عرفته الخبرة التاريخية لكل المجتمعات، فلقد انسحب الأمريكيون بعد فشلهم من فيتنام ومن افغانستان مؤخّرا، بل وبدأوا التهيّؤ لتخفيف وجودهم في المنطقة الشرق اوسطية، استنادا لحسابات كنت أنا يا سمو الامير، قد تنبّأت بها عام 1996 في دراسة منشورة في مجلة السياسة الدولية الصادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية – الاهرام.، كذلك سحب السوفييت صواريخهم من كوبا في الأزمة الشهيرة، ثم انسحبوا من افغانستان ، وانسحب الفرنسيون من الجزائر، وانسحب عبد الناصر من اليمن، وانسحب ديغول في فترة معيّنة ،ولظروف معيّنك من حلف الناتو ، وانسحب الإسرائيليون من غزّة، وانسحب البريطانيون من هونغ كونغ، والبرتغاليون من ماكاو…والامثلة الحديثة والمعاصرة أكثر من هذا بكثير..
مراجعة القرار لا تدلّ على ضعف ، لكن أن تتغذّى الأوهام على أوهام جديدة ،قد تقود لذات النتيجة التي وصل لها صدام حسين، وأزعم أن الإيرانيين يديرون معاركهم الحربية أو الدبلوماسية أو الاقتصادية بكفاء متقدمة على خصومهم من العرب بشكل واضح (بغض النظر عن منافع أو مضار هذه السياسة للعرب فهذا شأن آخر)، ولو كان المقام يسمح لسردت عليك يا سمو الامير قائمة لا تقل عن مائة من الدراسات الأكاديميّة الغربية التي تؤكّد هذا التقييم للدبلوماسية الايرانية.
صاحب السمو الامير المحترم
استعن بمستشارين خُلّصْ، واستند لخيال إبداعي لا خيال تركيبي، يقوم على تركيب الصورة طبقا للرغبوية(Wishful thinking)، وإن أصعب ما في عمليّة اتخاذ القرار السياسي هو صناعة القرار، أي دراسة الموقف ،وتحديد الخسائر والمكاسب لكل بديل، ثم تحديد البديل الأقل خسارة، والأكثر مكسبا استنادا لمعلومات دقيقة وغير انطباعية.
لقد دخل عبد الناصر حرب 1967 ،بناء على معطيات انطباعية، فكانت النتيجة زلزالا للمنطقة العربية لا زلنا نستشعر ارتداداته.
إن الفشل المذهل في تقدير مدة الحرب في بداياتها، هو مؤشّر على احتمال كبير للفشل في تقدير نتائج الحرب، ولأن بلادكم العزيزة ذاهبة للمستقبل، فلا تأخذوها متأبّطين الأوهام، والإصلاح السياسي لنظام الحكم ،كأساس لاتخاذ القرار العقلاني، يستوجب لا توسيع فضاءات الاسترخاء الاجتماعي ، بل توسيع دائرة مشاركة المجتمع ومفكّريه وخبرائه في اتخاذ القرار..فإذا ترافق الإصلاح بهذا الشكل مع لجم الغرائزية ” وسياسة ” العزة بالإثم” ، تكون بلادكم التي نُجلّها، ونتمنى الخير لها ولكم على طريق الصواب ..
تحية لك سمو الامير ، راجيا ان لا تحول الجدران العالية، دون وصول صوت قادم من الصفوف الخلفية لسمعك … وشكرا.

  • باحث وأكاديمي أردني.
  • (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق