تقارير و تحليلاتعام

السعودية والإمارات تنهي الحريريّة السياسيّة وتخرجها من المعادلة اللبنانيّة

بقلم: د. سعود المولى

كاتب وباحث ومترجم لبناني

على كوادر ونخب الجماعة السنيّة اللبنانية، وعلى رأسها تيار المستقبل، أن تنتبه إلى أن أزمتها الراهنة سببها الثورة المضادة التي قادتها السعودية وأبو ظبي ضد الربيع العربي، والتي أفرزت هذا الوضع العربي المأساوي المتردُي من مصر ، إلى ليبيا ، إلى سورية ، إلى تونس ، إلى السودان ، إلى اليمن ، إلى التطبيع الإماراتي البحريني الحقير شكلًا ومضمونًا… وأن هذا الانهيار والتمزّق، كان يعني بالنسبة إلى لبنان سقوط السقف العربي الحاضن والداعم تاريخيًا لدور السنّة في لبنان، وهو ما كانت قدّمته الناصرية والثورة الفلسطينية في يوم ما. وما قدّمته السعودية ومصر وفرنسا لرفيق الحريري، بعد اتفاق الطائف (1990-2005) ،ولسعد الحريري حتى العام 2008… وهذا الانهيار بالضبط هو ما أجبر الحريري على سياسة التسوية والتنازلات.
لا يعني هذا الكلام تبرير سياسات الحريري وخياراته ، بل وضعها في سياقها الحقيقي، وتبيان أن عجزها هو خلاصة العجز والتفسّخ العربيين وأن نتائجها الكارثية مسؤول عنها الراعي الإقليمي أولًا وبالتحديد، وبعدها مسؤولية الإدارة الحريرية الفاشلة.
أما القشّة التي قصمت ظهر البعير، فهي تخلّي فرنسا ماكرون أيضًا عن الحريري، وعودة ماكرون إلى سياسة سلفه ساركوزي في فرض صيغة المثالثة لصالح الشيعية السياسية ،التي يرى فيها حليفًا مضمونًا أكثر. كما أن ماكرون يحتاج إلى الصفقات الضخمة التي عقدها مع السعودية والإمارات، فيسكت على ضرب الحريري، ولا يضطر مع ذلك إلى فضح حقيقة موقفه بالمثالثة، في انتظار التطورات.
إذن تخلّى العرب وفرنسا عن الحريري، لا بل عملت السعودية وأبو ظبي على إخراج الحريري نهائيًا من المعادلة اللبنانية، أي إنهاء الحريرية السياسية، وهي تعمل على بناء سنيّة سياسية بديلة. فالحريرية بوصفها السنيّة السياسية الغالبة منذ الطائف، قامت على سقف خليجي مصري فرنسي، ولكنها لم تعمل منذ تغييب سيّدها رفيق على بناء قوة حقيقية راسخة وتحالفات متينة، بل اشتغلت بقيادة سعد (وبطلب سعودي في الأصل، كي لا ننسى، وتحت ضربات الاغتيالات والاجتياحات، كي لا ننسى أيضًا وأيضًا) على محاولة النجاة باللعب على الوقت وتقديم التنازلات، ناهيك عن تغليب المصالح المالية والتجارية للمنتفعين النهّابين من حاشية المقرّبين الشركاء المتضامنين مع جبران باسيل. فمن الطبيعي أن تسقط الحريرية السياسية بسقوط هذا السقف فوق رأسها، وانكشاف المنهبة الكبرى التي ضربت اللبنانيين،وكانت هي شريكتها.
والحال أن شباب وصبايا تيار المستقبل من محبّي سعد الحريري الأوفياء يواجهون اليوم تحديًا كبيرًا ، بخصوص خياراتهم للمرحلة الراهنة:
1- فعليهم أولًا أن يتيقّنوا أن السعودية-الإمارات شطبت سعد الحريري إلى غير رجعة، وربما أيضًا عمّته وأولادها.
2- وأنه ينبغي المتابعة لمعرفة موقف هذا الحلف الخليجي من بهاء الحريري، الذي لم يكن يومًا لا في العير ولا في النفير.
3- وأن هذا الحلف الخليجي (المدعوم من مصر) سيعمل على تشكيل تيّار سني بديل من خلال الانتخابات البرلمانية القادمة.
4- وأن بعض أقطاب المستقبل السابقين ،سيشاركون في هذه العملية ،لا بل سيقودونها (فؤاد السنيورة- نهاد المشنوق- رضوان السيد…).
5- وهؤلاء سيشكّلون حلفًا مع فارس سعيّد وبقايا 14 آذار من جهة، ومع سمير جعجع ووليد جنبلاط من جهة أخرى، تحت عنوان انتزاع لبنان من يد إيران.
6- وبالتالي، فقد يضمّ هذا الحلف أيضًا شخصيات وازنة أخرى، مثل: أشرف ريفي، ومصباح الأحدب، ومصطفى علوش،وأحمد فتفت (في الشمال) وفؤاد المخزومي وبعض وجوه المجتمع المدني (في بيروت) ومعظم قيادات المستقبل وشخصيات أخرى في البقاع والجنوب والجبل.
7- وهذا يترك المستقبليين الأوفياء لسعد في موقف بالغ الصعوبة والالتباس.إذ عليهم الاختيار بين أهون الشرّين: الالتحاق بالسياسة السعودية الإماراتية ونسيان ما فعلته بهم وبسعد، أو الاستمرار في الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، مع ما لذلك من نتائج سلبية على حلفائهم (ولو أنهم اليوم في تناوش وشقاق لا طعم له ولا مضمون).
8- ولن ينقذهم من هذا المازق ،غير مسارعة حزب إيران إلى نسف الانتخابات من أصلها بسبب تطورات خارجية أهمها ما يجري في العراق من تصد قوي لحلفاء إيران وقضم مواقعهم، ثم ما يجري في أوكرانيا.
9- ذلك أن اندلاع مواجهة عسكرية في أوكرانيا (وهذا محتمل جدًا) سيفسح المجال للكيان القيام بضربته التي تعدّ لها ضد إيران، وبالتالي خلط الأوراق من جديد.
10- وفي كل الأحوال، لا يصلح العطار ما أفسد الدهر…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق