مقالات

اعتذر أبا فرحان للإخوان حفاظا على مكانتك وتاريخك

بقلم : أسامة أبو ارشيد *
انتقاد الإخوان المسلمين والتحفّظ، بل وحتى رفض كثير من مبادئهم وقناعاتهم وسياساتهم ليس جريمة، وهم لا يتمتّعون بحصانة “ربّانيّة”، ولا أخلاقية، ولا فكريّة، ولا سياسيّة، ولا عَمَلِيَّةٍ، تجعلهم فوق الاستدراك والتنبيه والأخذ والرد. لكن تجاوز ذلك إلى الردح والشتيمة والاتهام والتعميم، ورميهم بكل الرزايا وتحميلهم كل البلايا، بدون حجة ولا دليل، فهذا يسمّى إسفافاُ وافتئاتاً، ولا يدخل في باب النصيحة والنقد الموضوعي، ومحاولات تصويب المسار .
ما فعله المهندس ليث شبيلات في تسجيله الصوتي المسرّب حول الإخوان المسلمين،يدخل في باب الإسفاف والافتئات، واللغة التي استخدمها لا تليق بمقامه ولا سنه. وهو إن خرج واعتذر عمّا تفوّه به من شتائم وعبارات غير لائقة، فإن هذا يحسب له لا عليه. يمكن له أن يبقي النقد، ويتجاوز التجريح والإهانات. وأي محاولة للتبرير من أن هذا تسجيل داخليٌّ “سرب” ،لا يعفيه من المسؤولية الأخلاقية والمادية. هذه ليست لغة تتوقّعها من رجل مثل شبيلات، خصوصاً وأنها لم تأت رداً على شتائم من نفس المستوى وجّهت إليه من قبل الإخوان، لنقول ردة فعل يمكن تفهّمها بشرياً.
أعود إلى جدلية النقد البناء والاتهام العدمي .لطالما نقد صاحب هذه السطور مواقف عند الإخوان المسلمين والتيارات التي تدور في فلكهم، أو القريبة منهم. نقدت في الأردن، وفلسطين، ومصر، وتونس، والمغرب… ألخ. وأعلم شخصياً ،أن في صفوف الجماعة من يجعل منها إطاراً قداسياً تطارد اللعنات والشتائم من يجرؤ على لفت النظر، موضوعياً ومحبة وشفقة، لخلل فيها. لكن هذا لا يعطينا الحق أن نسوّغ لأنفسنا أن ننخرط في جهالات وإسفافات الردح للجماعة، كفكر وتنظيم ومواقف وتضحيات.. ألخ، بذريعة أن فيها بعض متسلّقين، صغار عقول، سفهاء أحلام، قليلي أدب. هذا لا يفيد، ولا يحفظ مستوى من يدّعي أنه متميّز في طرحه، ولا في هذا موضوعية وعدل، فجماعة الإخوان كبيرة ومتنوّعة، وبعض الطبقات المُتَسَلِّقَةُ والجاهلة فيها تمثل أقلية لا أغلبية، كي نعمّم من خلالها وعلى أرضيتها. وبالمناسبة، مثل هذه الأقلية موجودة في كل صف وتيّار، وليس ذلك حكراً على الإخوان المسلمين.
ما فعله شبيلات لم يكن نقداً بناءً ولا موضوعياً، بل كان نقداً عدميّاً بلا أرضية صلبة يقف عليها ولا أفق يرتجى منه، غير ما نراه الآن من جدل حرف التركيز عن زحف وتغوّل الفساد والإفساد والقمع. ترى من نهنِّىُ الآن؟ أظننا جميعاً نعرف الإجابة الحزينة، ولا يُصْلِحُ ذلك إلا أن يخرج شبيلات بفيديو يعتذر فيه عمّا قاله، ويعيد القطار إلى سكّته. أنقد الإخوان ضمن سياق ما ترى أن برنامج الإصلاح يحتاجه،ولكن لا تنقض برنامج الإصلاح ،وأنت تظن أنك تنقض الإخوان.
أن يقول المرء أن لدى الإخوان المسلمين فساد، شيء، وأن يقول أنهم فاسدون شيء آخر. في الثانية تعميم سيسئل عنه ملقيه جزافاً أمام ربه، إن كان ممن يؤمن بحساب وآخرة، ولا شك أن شبيلات من هؤلاء. أيضاً، أن ينتقد أحدهم مواقف لا تعجبه عند الإخوان، شيء، وأن يصفهم جميعاً ب”العكاريت” شيء آخر. ومن استباح لنفسه شتم الآخرين، فلا يبكينَّ على أخلاق مهدورة، وبهذا يكون الجميع قد دخلوا دائرة مغلقة لا خلاص ولا إنفكاك منها.
“المعارض المنفرد” كالمهندس ليث شبيلات لا يدركون الفرق بين نموذجهم ونموذج المعارضة التي يمثّلها تيارات وأحزاب وقوى وتتظيمات. “المعارض المنفرد” يمكن له أن يختار التصعيد متى ما شاء، وكيفما شاء. يمكن له أن يبقي رجله على دوّاسة البنزين،والتسارع نحو الاصطدام بالحائط أو الوقوع في هاوية. ما دام وحيداً في مركبته، وما دام غير مسؤول عن أرواح وسلامة آخرين معه فيها، فإن الأمر يخضع لنزواته وقدرته على التضحية الشخصية. لكن، من كان يقود مركبة فيها غيره من أهله وأصدقائه، فإنه لا يحق له، ولا يستطيع أن يقودهم، ويقرّر نيابة عنهم نية الانتحار الجماعي. هذه أًوَلِيَّاتٌ في تجربة الحياة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم السياسة.. ألخ. شبيلات هو تجسيد “المعارض المنفرد” والإخوان هم تجسيد لتيار معارضة كبير، بقاعدة واسعة، وشبكة مؤسّسات منتشرة، وتحالفات متنوّعة، وحسابات داخلية وخارجية، بل وكذلك آراء متباينة في صفها. بمعنى، القرار فيها ليس سهلاً كما قرار أمثال شبيلات، وتداعيات قراراتهم أكبر وأخطر من تداعيات قرارت “المعارض المنفرد”، وهي تتعلّق لا بأمنهم وسلامة عشرات الآلاف من قواعدهم فحسب، بل كذلك باستقرار مجتمعات ودول بأكملها.
لا أريد الإطالة أكثر من ذلك، فمنذ أشهر طويلة، أحاول تجنّب الدخول في نقاشات عبر فيسبوك، ذلك أني تعلّمت أن النقاشات الجادة ليس مكانها الفضاء الأزرق،إذ تستوي أدوات الجاهل والواعي، وكذلك قليل الأدب والمحترم. لكن، يبدو أن الفضاء الأزرق قد أضحى قدراً، على الأقل راهناً، أكثر منه خياراً.

لذلك، وقبل أن أنهي، أذكّر شبيلات ومن يشدّون على يديه في هذه المسألة محلّ الحديث هنا، وأحدّد منهم أصحاب الوعي والفكر، لا الغوغاء ونافخي الكير، أن أبا فرحان نفسه، رفض يوماً أن يموت بسيفه، كما يطالب الإخوان الآن أن يموتوا بسيفهم. أذكّر أنه عندما أستهدفت شركة مقاولات هو مساهم فيها، قبل أشهر، من قبل الحكومة، خرج باكياً ظلماً وتعديّا، واختار الانسحاب منها حتى لا يضرّ من يعملون فيها ويعتاشون منها. كان ذلك موقفاً مصيباً من قبله، بمعنى أنه لم يختر الضغط أكثر على دوّاسة البنزين، مقرّرا نيابة عن غيره أخذهم معه إلى مهاوي الردى. كما أذكّر أبافرحان، والقاعدة التي خَصَّصْتُ من أنصاره، أن لا يتعاموا عن حقيقة موقفهم المخزي في السياق السوري. وإلا كيف تبرّرون الوقوف مع نظام مجرم، دموي، يقوده جزّار، وهو اليوم ليس أكثر من “عكروت” حقيقي في أيدي “عكاريت” إيران وروسيا لسحق الشعب السوري؟ ستحدثونا عن “الحرب الكونية” على “محور الممانعة”، وعن ضرورة مراعاة الأولويات! ونقول لكم تبيحون لأنفسكم ما تعيبونه على الإخوان من “موازنات” و”حسابات”، مع أن الهوّة بينكم شاسعة. فرق بين من يخطئ في بعض حساباته ومناوراته، كالإخوان، وبين من يفعل ذلك مع سبق الإصرار والترصد، كما تفعلون أنتم في سوريا، عندما تقفون ضد شعبها، وفي صف جزّاريها، وتعيبون، في الآن ذاته، على الإخوان عدم جرأتهم في التصدّي للفساد والقمع في دولهم، كالأردن!؟ هل الوضع في الأردن أسوأ من سوريا!؟
أي منطق أعوج وسقيم هذا!؟
اعتذر أبا فرحان، حفاظاً على مكانتك وتاريخك، وخدمة لمشروع تقول أنك تؤمن به. انتقد بقسوة، ولكن بموضوعية، ولا يهمّنك بعض الجاهلين في قواعد الإخوان الذين لا يفرّقون بين نقد وهدم. لكن إن تساويت معهم في المستوى والأسلوب، واخترت اللجوء إلى تعميمات فضفاضة، وتهم جاهزة بالجملة، حينها لا تذرف الدموع، أنت ومن حولك، على أخلاق مضيّعة، وعلى مشروع مبدّد .

  • كاتب فلسطيني.
  •  (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق