مقالات

الإسلاميون وإكراهات السياسة

ساري عُرابي*

الإسلاميون الذين اختاروا مجال عملهم من داخل النظام السياسي، بهدف إصلاحه قدر الإمكان، أو حماية النفس لمرحلة، أو الأمل في اكتساب عناصر قوة إستراتيجية في المستقبل، لا يكاد يوجد خلاف بينهم على وجود الضرورات ، والإكراهات المحكومة بسقف الاستطاعة ،وحدود اللعبة التي رسمها خصمهم صاحب النظام السياسي.. وهذا يحيل إلى المبدأ: هل ندخل أو لا ندخل؟ وإن دخلنا فما الشكل والحجم؟ وإن لم ندخل،فما هو نوع وجودنا وفاعليتنا الاجتماعية، وهل لنا خطاب سياسي أم لا؟
فإن تقرّر الدخول، فما هي حدود التنازل تحت سقف إكراهات السياسة والحكم!؟
أعتقد أن هناك مبدئين ينبغي الاسترشاد بهما.

-الأوّل: هل هذا النظام السياسي،يمثّل مشروعي، أم هو مفارق جوهريًّا لمشروعي؟ فالتنازل النسبي في بعض الاختيارات السياسية والأيديولوجية والاقتصادية في إطار مشروع ناجز؛ الخلاف على حدوده وكيفية إدارته، يختلف عن الخلاف على المشروع نفسه، وطالما أنّ الأنظمة السياسية القائمة، ليست مشروع الإسلاميين، فهل يملك الذين دخلوها رؤية لمشروع مقابل؟! أم أنه يجري تذويبهم في المشروع القائم، أو توظيفهم لخدمته؟!

*الفارق جوهري في الحكم على بعض التجارب،على الرغم من اقترافها خطايا متشابهة، فالذي يسفر عن امتلاكه مشروعًا، يكرّسه بالتدريج، يكون التسامح مع بعض خطاياه أوجه ممن يثبت كلّ يوم أنه بلا مشروع، وهذا الثاني لا وجه للتغاضي عن خطاياه، طالما أنه بات بيدقًا في اللعبة بيد غيره، أو ينسلخ من ذاته بالتدريج، ويصير الحكم عليه كالحكم على النظام الذي يذوب فيه، مع تقدير نسبة هذا الذوبان. فالفرق واضح بين العودة التدريجية إلى الذات وبين الانسلاخ من الذات.

-الثاني: أنّ التقوى محكومة بالاستطاعة، وهذا ماضٍ في كلّ أمر من حركة الإنسان “ومحياي ومماتي لله رب العالمين”، والعجز لا يكون أصلاً، فالتنازل لعدم الاستطاعة، ينبغي أن يكون تنازلاً مسكليًّا، لا مبدئيًّا، بمعنى لا يصح منح الاضطرار صفة الشرعية الأصلية، ومن يفعل ذلك يقترف ضلالاً مبينًا، ويمعن في التحريف ومسخ الوعي.

*ثمّة واجب ثابت في بيان الأصل والمبدأ، فمن لم يقترف الخطيئة تحت أي عنوان، كعنوان الاضطرار مثلاً، واجبه بيان الأصل، لا الدفاع عن مقترف الخطيئة، وإلا لضاع الأصل في غمرة التماس الأعذار والتحليل السياسي. دون ذلك، يصير المدافع والعاذر مشتركًا باختياره في خطيئة دون أن يقع عليه اضطرار متوهّم أو متحقّق. ومن صور التدافع الذي يحافظ على المبدأ، أن تنكر على من يمسّ مشروعك وقضيتك ،طالما أنك لا تعيش اضطراره المُدّعى! ومن كان له اضطراره المحكوم بإكراهات واقعه (على فرض تحقّق الاضطرار)،فأنت لك ضرورات قضيتك. فلماذا تصرفها مجّانا لصالح ضرورات موقع أخر .

*كاتب وباحث فلسطيني

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق