مقالات

في ذكرى رحيله… عبدالناصر الذي خطف الوعي

ماجد حسن*

من أكثر الأمور التي تثير الاستهجان، والاستغراب، بل الامتعاض، أن ترى البعض من الناس، يصرّون على مواقفهم في تمجيد بعض الرؤساء والقادة، وهم يرون بكل وضوح وجلاء، المواقف الكارثية والمدمّرة، لهؤلاء القادة، على مستوى شعوبهم أولا، وعلى مستوى أمّتهم ثانيا، “عبد الناصر” مثالا…
إلى هؤلاء نقول: ماذا حقّق “عبد الناصر” للأمّة من إنجازات، حتى تبقون على مواقفكم الممجّدة لهذا الرجل!
هل حرّر فلسطين من دنس الصهاينة، أم أن ما تبقى من فلسطين،سقط في يد الصهاينة في ظلّ حكمه،ومن خلال هزيمة مدوّية، لم يعرف لها التاريخ البشري الحديث مثيلا ،نتيجة لسوء حكمه،وعفن إدارته، ونرجسية شخصيته المقيتة؟!
هل حافظ على أرض مصر من الأعداء، أم أن جزءا عزيزا، ومعتبرا من أرض مصر، سقط بيد الصهيانة، في نفس السيناريو التي سقطت به هذه البقعة عام 1956،دون أن يعتبر مما جرى،مما حدا ب”توفيق الحكيم “أن ينكر عليه هذه الفعلة الشنيعة في كتابه “عودة الوعي”، ويعتبر عدم اتّعاظه بذلك، أحد الأسباب الرئيسة في هزيمة عام 1967،ومقتل الآف الجنود المصريين على أرض سيناء؟!
هل حقْق وحدة للأمة العربية، مثلما كان يجعجع في خطاباته، أم أنّه كان سببا في تمزيق الامة وفرقتها؟!
هل بنى حكما رشيدا في مصر، أم أنّه أسّس لحكم العسكر ودكتاتوريتهم،والتي لا زالت مصر حتى الآن تئن تحت وطأته وقسوته الإجرامية؟!
هل بنى ديمقراطية في مصر، أم أنّه انقضّ على الرئيس،الذي نادى بانتخابات ديمقراطية”محمد نجيب”،وهو زميله في حركة الضباط الأحرار ،ووضعه تحت الإقامة الجبرية، طيلة تسعة عشر عاما، ولم يسمح لأي صوت مخالف أو معترض من المشارب الفكرية كافة ،أن يكون له وجود؟!
هل حقّق نهضة علمية وتكنولجية وتنموية لمصر،كما حصل في الصين واليابان والهند وماليزيا،والتي كانت انذاك في مستوى مصر، من حيث الإمكانيات الاقتصاديةوالعلمية،بل أقل من ذلك، أم أنّه كان سببا في استنزاف مواردها ،في حروب لا طائل من ورائها ،مثل، حرب اليمن،والتي أدّت إلى مقتل عشرات الألآف من جيش مصر ،ومن أبناء اليمن؟!
إن لم يكن لهذا الشخص، من مآسٍ وكوارث، جرّها على مصر وعلى الأمة، سوى هزيمة عام 1967، لكفته عارا إلى الأبد، ولألجمت كل الألسن، والتي لا زال البعض منها، يتغنّى بهذا الشخص، والذي لم يكن سوى ظاهرة صوتية، تتقن فن التدليس، والكذب، والخداع، ودغدغة العواطف، لا أكثر ولا أقل !
وإلى الذين يودّون الاستزادة، في تقييم حكم هذا الشخص، ويحبّون النقاش الهاديء والرزين،أحيلكم إلى كتاب “عودة الوعي”، للكاتب الكبير “توفيق الحكيم” ، الذي احبّه “عبد الناصر” إلى درجة العشق،وأحبّ هو “عبد الناصر” حبّا لا يقل عن حب “عبد الناصر” له،ليكتشف بعد هزيمة 1967، أن “عبد الناصر” قد خطف وعيه، ووعي جماهير الأمة، بخطاباته الرنّانة، وأنه بعد هذه الهزيمة المدوّية، استعاد وعيه، وكأنّه قد كان في غيبوبة هو وأبناء جيله، وخصوصا المثقفين منهم، فألّف هذا الكتاب، الذي عبّر من خلاله عن الحسرة والألم والمرارة ،التي اعتملت في نفسه، عن الفترة التي قضاها في مدح هذا الرجل، والسير في ركبه، والذي أسماه “عودة الوعي”.

*كاتب فلسطيني

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق