تقارير و تحليلاتعام

الغنّوشي يتّهم معارضي التجديد له بـ “التغطّي بالديمقراطية لفرض وصايتهم على المؤتمر القادم بشروط إقصائية” تستهدف استبعاده!

بعد أن تمكّنت حركة النهضة بقيادة زعيمها التاريخي، راشد الغنّوشي، من تجاوز العديد من الأزمات الخارجية، تقف الحركة اليوم على مفترق طرق حاسم، إذ تواجه أزمة هي الأكبر داخلياً منذ انطلاقتها، إذ عاد الخلاف حول تجديد ولاية رئيس الحركة راشد الغنّوشي، ليطفو على السطح مجدّداً، فقد فجّرت العريضة التي أمضاها 100 قيادي من حركة النهضة، تطالب الغنّوشي بعدم الترشّح لولاية جديدة، نقاشا حاداً وواسعاً حول مبدأ التداول على رئاسة الحركة، وهو الأمر الذي استفزّ الغنّوشي، فرد على أصحاب العريضة برسالة “حادة”، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، انتشار “النار في الهشيم”! وقد عكست العريضة والرد عليها، مدى احتدام الصراع داخل الحركة، قبيل المؤتمر العام، الذي تم تأجيله بسبب أزمة كورونا، والمتوقّع عقده نهاية العام الحالي، إذا انتهت لجنتا الإعداد المضموني و المادي من عملهما في الوقت المناسب، وهما لجنتان شُكّلتا في الدورة الـ40 لمجلس شورى الحركة المنعقد في 27 و28 يونيو (حزيران) الماضي. 

ولابد من الإشارة هنا، إلى أن الصراع داخل حركة النهضة، ليس جديداً، فقد شهدت النهضة “نزيف” استقالات خلال الأشهر الماضية، أبرزها استقالة نائب رئيسها عبد الفتاح مورو، وأحد أبرز القادة التاريخيين عبد الحميد الجلاصي، وأمينها العام زياد العذاري، وقبله رياض الشعيبي وزبير الشهودي وحمادي الجبالي، فضلاً عن استقالة قيادات شبابية، مثل زياد بومخلة وهشام العريّض، وهي الاستقالات التي تعامل معها الغنّوشي ببرودة ولا مبالاة. ولكن جبهة المعارضة الرافضة للتجديد للغنّوشي لولاية جديدة اتسعت، لتضم قيادات وازنة داخل الحركة تتوزّع بين مجلس الشورى والمكتب التنفيذي ونواب الكتلة، على غرار عبد اللطيف المكي، ونور الدين العرباوي، وفتحي العيادي، وسمير ديلو، وآخرين. ومن المتوقّع أن تستمر حالة التصدّع هذه، في حال تمسّك الغنّوشي بالبقاء على رأس الحزب لولاية جديدة،وهو السيناريو الذي يبدو أقرب للحدوث، بعدما رفض الغنوشي بشكل واضح عريضة قيادات النهضة التي تطالبه بعدم الترشّح مجدّداً.

وعلى الرغم من أن الفصل (31) من القانون الداخلي للحركة، يمنع الغنّوشي من الترشّح لدورة ثالثة، لا يبدو أن الشيخ الذي وصل أعتاب الثمانين من العمر، ويمسك بزعامة الحركة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ينوي رمي “المنديل”، إذ لم يتأخّر ردّ الغنّوشي- الذي كان يقول مراراً إنه سيحترم قوانيين الحركة الداخلية – على العريضة المطالبة بعدم ترشّحه، رافضاً ما وصفها بـ”الشروط الإقصائية المسبقة”.

وقال الغنوشي في رده ، إن “الزعماء جلودهم خشنة، يتحمّلون الصدمات، ويستوعبون تقلّبات الزمان، ويقاومون عامل التهرئة”. واتّهم المطالبين بعدم ترشّحه لولاية جديدة بأنّهم “يتغطّون بالديمقراطية لفرض وصايتهم على المؤتمر القادم بشروط إقصائية مسبقة لا ديمقراطية”، في سبيل “استبعاد زعيم الحركة”. وأوصى في ختام رسالته قواعده وأنصاره بالهدوء، والحفاظ على “عقد الأخوة، وآداب الاختلاف، ووحدة صفّهم، وأمانة دماء الشهداء، ومعاناة عشرات الآلاف من المناضلات والمناضلين”، معتبراً أن الأمر لا يتعدّى كونه “زوبعة” عابرة.

ويؤكّد انتقال الخلافات حول التجديد للغنوشي إلى هذه المرحلة من التجاذب الإعلامي، أن المناخ العام داخل حركة النهضة، اقترب كثيرا من مرحلة التصدّع التنظيمي، ولاسيّما أنها تأتي بعد أشهر قليلة من بروز تيار داخل الحركة، يحمل اسم “مجموعة الوحدة والتجديد“، يُجاهر برفضه الواضح والقاطع لبقاء الغنّوشي رئيسا للحركة. واستطاعت هذه المجموعة التي لا تُخفي انتقاداتها الحادّة، لما تسمّيه “غياب التسيير الديمقراطي”، وعدم الشفافية الإدارية والمالية، ورفضَها القاطع لاستمرار ماتراه هيمنة الغنّوشي والمقرّبين منه على الحركة، استطاعت التوسّع داخل الأطر التنظيمية للحركة، حتى تحوّلت إلى ما يُشبه التيار الجارف، الذي سيعمل على الحيلولة دون تمكين الغنّوشي، من تعديل النظام الداخلي لحركته، بما يُسّهل التمديد له لولاية رئاسية ثالثة. وكانت هذه المجموعة قد أكّدت في بيان لها ما وصفته بـ ”تراكم السلبيات والأخطاء، من ذلك الاضطراب الذي شاب الخط السياسي أحيانا، وضعف الأداء المؤسساتي والابتعاد عن الانضباط، بما في ذلك من قبل بعض الرموز والقيادات، وخروج الخلافات الداخلية عن نطاقها المقبول والمعقول”. كما أشارت في بيانها إلى أنه “لم يعد خافيا أن حركة النهضة تعيش على وقع خلاف داخلي ظل يتفاقم منذ المؤتمر العاشر سنة 2016، وهو خلاف ذو طبيعة تنظيمية بدرجة أولى، ما أنتج مناخات سلبية ساهمت في إرباك الحزب وإهدار الكثير من الجهود والطاقات”. وبرزت منذ المؤتمر العاشر للحركة الذي عُقد في آيار (مايو) عام 2016، الكثير من الانتقادات التي طالت إدارة الغنّوشي للحركة، وسرعان ما تحوّلت إلى صراع مكشوف بين تيّارين، يطالب أحدهما بتغييرات قيادية وإدارية، والآخر، يتمسّك بما يصفه بـ ”الشرعية” التي أفرزها المؤتمر، ويرى في تلك الانتقادات “تمرّداً” على تلك الشرعية التنظيمية، التي منحها المؤتمر العام للغنّوشي. وبغض النظر عن صوابية أي من التيارين، فإن تمسّك الغنّوشي بالبقاء على رأس الحركة، عبر تعديل النظام الداخلي للحركة، يعني أن الحركة مقبلة على مزيد من الانشقاق والانقسام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق