مقالات

‏كيف أفهم استقالة عدد من قيادات النّهضة ؟!

بقلم: سامي براهم*
بقطع النّظر ،عن الأسباب المباشرة لاستقالة ما يزيد عن مائة وثلاثين قياديّ ، حسب التحيين الأخير للقائمة ،والتي وقع التّعبير عنها في نصّ الاستقالة، وبقطع النّظر، عن ملابسات هذه الاستقالة وحيثيّاتها ودوافعها وخلفيّاتها وتوقيتها ومآلاتها، خاصّة أنّها لم تعلن بعد عن تحوّلها إلى تعبيرة سياسيّة أو جمعيّاتيّة.
بقطع النّظر ،عن كلّ ذلك ،كيف يفهم متابع لانتظام الإسلام السياسي أو الاحتجاجي بتعبير عالم الاجتماع عبد الباقي الهرماسي في دراسته المعروفة أبعاد هذه الاستقالة ؟!
نشأت الحركات الإسلاميّة في السّياق الإخواني ، على انتظام البيعة والطّاعة في المنشط والمكره، وهي طاعة للأمير وولاء للجماعة، باعتبارها مجتمعا نموذجيّا مصغّرا، موازيا للمجتمع الأصلي الذي يعيش فيه عموم أفراد المجتمع … ولعلّ بعض المستقيلين من الذين شملتهم البيعة شكلا أو مضمونا … كلّ هذا يجعل الخروج في مرجعيّة هذه الحركات وعقيدتها السياسيّة ،نقضا للبيعة، وشقّا لعصا الطّاعة ،وخروجا عن الجماعة، وتولّيا يوم الزّحف.
صحيح أنّ الأدبيّات المعاصرة للحركات الإسلاميّة وشكل انتظامها خاصّة في تونس ،تطوّر واقترب من الانتظام المدني للقانوني الوضعي، لكن الوجدان العامّ للمنتمين والأنصار، بقي مشدودا لسرديّة الجماعة ،التي تجعل الاستقالة ” وهي مفهوم جديد يندرج ضمن شكل الانتظام المدني ” ،مشحونة بوصم الخروج ،والفتنة ،وخيانة الجماعة … لعلّ هذا ما يفسّر بعض ردود الأفعال الغاضبة على هذه الاستقالة ،والتي أعادت إنتاج المعجم القديم.
لذلك نفهم هذه الاستقالة ،باعتبارها كسرا لسرديّة الجماعة بألف ولام الاستغراق ،التي تستبطن عقيدة الفرقة النّاجية، وخلخلة لبراديغم المشيخيّة ،وانتظام البيعة المؤبّدة ،التي لا ينفكّ منها المنتظم إلّا بوفاته أو خروجه ،ليصبح في عداد المتساقطين على طريق الدّعوة، ومن يشقّون وحدة الصفّ الواجبة ” حقّ الاختلاف وواجب وحدة الصفّ “.
هي خطوة نوعيّة، لتحويل حزب الحركة أي التّعبيرة السياسيّة الحزبيّة للجماعة المتخَيّلَة، إلى حزب يُنتَمى إليه بشكل طوعيّ مدنيّ ،ويُستَقَال منه بشكل فرديّ أو جماعيّ، متى ضعفت القناعة بسياساته، وقد يتشكّل على يمينه أو يساره حزبٌ مشكَّل من قياداته وقواعده المستقيلة ليخوض تجربة جديدة ،واختبار التّمايز والفعل في الواقع.
وبقدر تقبّل النّهضويّين،وتفهّمهم لاستقالة نظرائهم في الانتظام،وشركائهم في التّجربة،وعدم النّظر إليها بمنظار الانتظام الإخواني التّقليدي، كمنشقّين وناقضي عهود، وبقدر محافظتهم على مسافة الودّ، واحترام خيار الاستقالة، بقدر ما يمكن أن يكون ذلك، مقياسا للوعي السياسي المتحرّر من رابطة الجماعة والبيعة، إلى شكل الانتظام المدني الواعي الحرّ، الذي يحترم إرادة المنتمين إليه، ويحفظ كرامتهم وأعراضهم، سواء كانوا في دائرة الالتزام أو الاستقالة.

*باحث ومحلّل سياسي تونسي.

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق