مقالات

الشيخ عمر الأشقر الذي أسر وجداني وأثّر في حياتي قبل رحيله بأيّام

بقلم: د.محمد بشناق*

عملت لسنوات طويلة،أعالج المرضى في الحالات المتقدّمة من المرض .ليس أمرًا سهلا ولا هيّنا، أن تتحدّث مع مريض،قد دنا أجله،وشحب وجهه، وزاغت عيناه، وبردت أطرافه. تعلّمت كيف أدير الحوار مع المريض، وأمنحه القوة والشجاعة والصبر في تلك اللحظات الصعبة،مستعينا بما توافر لديّ من خبرة، ومما تعلّمت من العلم الشرعي ،ومن الطب التلطيفي،الذي أكرمني الله تعالى بالتخصّص فيه.ربّما كان الشخص الوحيد ، الذي أسر وجداني، ودخل عقلي، هو المرحوم بإذن الله ،العلاّمة عمر سليمان الاشقر. إذلمّا قربت منيّته، طلب مني أولاده، أن أزوره في بيته،وكانت مهمّتي علاج الألم والأعراض المصاحبة مع المرض، والحديث عن تطوّرات المرض.الواقع أنني فوجئت بالرجل الذي جلست معه.رجل وقور، جميل المحيّا، طيّب المعشر ،لم ينل المرض من هيبته، ولا حضوره، ولا بهاء وجهه، ولاحسن حديثه،ولارجاحة عقله.كان يعلم جيّدا ما هو مقدم عليه.بادرته بالسؤال:هل أنت قلق من المرض فضيلة الشيخ ؟ هل لديك همّ تحب ان تشاركني فيه عليّ أن أساعدك عليه ؟! نظر إليّ بهدوء،وقال: (أشكرك يا دكتور . ومم اخاف ؟ ما بيني وبين الله عمار ،وبيني وبين الناس عمار).الكلمات على بساطتها ،عقدت لساني ، وحيّرت فؤادي،وشعرت بنفسي تلميذا صغيرا أمام هذا الجبل الأشمّ.
نظرت لاولاده،وقلت لهم:أنتم جئتم بي ،لكي أرفع معنويات أبيكم،وأشحن روحه، فأبى إلا أن يشحن هو روحي ووجداني … لقد دار بيني وبينه، حديث مشوّق جميل،ل ثم شكرته وانصرفت.وما هي إلاّ أيّام قلائل، حتى سلّم الروح،تاركا وراءه سيرة عطرة، وعلم عظيم، ينتفع به، وأولاد صالحين ،إلاّ أن كلماته ما زالت ترنّ في أذني ،وغيّرت طريقة تفكيري منذ ذلك اليوم.
هل حقا تستحق منا الحياة ،كل تلك النزاعات والخصومات والجدال؟ أم أن في العمر متّسع للقيل والقال والغل والعدوان والبغضاء؟! عاهدت نفسي منذ ذلك اليوم، ألاّ أبات وأنا في خصومة مع أحدٍ ، حتى لو كلّفني ذلك التنازل عن بعض حقوقي من غير ضعف،ولا عجز، بل بطيب خاطر و سمو.عاهدت نفسي، أن أردّد نفس الكلمات، حين يأتي دوري، وأقف في نفس المقام،أن لا اسمح لنفسي أن تنازعني مشاعر الحسرة، وأقول : يا ليت الزمان يعود ،وأصلح ما بيني وبين الله، وبيني بين الناس .
حدث بعدها، أن تعاقدنا مع شركة لتاسيس نظام كمبيوتر للعيادة، وتم دفع جزء من الرسوم.تأخّر الفني في إتمام العمل،ولم يحقّق الحد الأدنى من المطلوب، بذريعة أن علينا مبلغ 300 دينار باقي المبلغ ،وحصل جدال بينه وبين السكرتيرة ولم يصلوا إلى نتيجة.وصل الأمر إلى علمي.،تذكّرت كلام الشيخ، وأخذت قرارا سريعا .أرسلت رسالة إلى الشاب، وقلت له يا عبد الرحمن : لن أسمح لنفسي، أن أخاصم، أو أجادل من أجل بضعة دنانير.سوف أترك لك المبلغ ،الذي طلبته مع السكرتيرة، وأترك الموضوع لك، فإن اتممت كما اتفقنا ،فلك الشكر، وإن لم تفعل، فالله المستعان،وسوف أبحث عن حل آخر .
الشاب أصيب بالدهشة والخجل، وسارع بالاعتذار، ولم يرض أن يقبض المبلغ، إلاّ بعد ان عمل المطوب وزيادة .
عن أبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “حُرِّمَ على النَّارِ كلُّ هيِّنٍ، لَيِّنٍ، سهلٍ، قريبٍ منَ النَّاسِ”
رحم الله الشيخ العلامة عمر سليمان الاشقر ،ونفعنا بعلمه،وجعل خير أعمالنا خواتيمها.


  • استشاري أردني في الأمراض الباطنيّة وعلاج الألم والرعاية التلطيفيّة
  • (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق