مقالات

علي العريّض … الرجل الشجاع الحكيم القويم

بقلم: نصرالدين السويلمي*

هذا ما دوّنه الرّجل الثاني في حركة النّهضة وزعيمها المستقبلي،الأربعاء 22 سبتمبر 2021: “لا توجد منطقة وسطى، إمّا أن تكون داخل الدستور،أو تكون منقلبًا عليه.محاولات التلاعب بالدستور وتقطيع أوصاله، لا تغيّر في الأمر شيئا، إنّه انقلاب مكتمل الأركان. انقلاب لاحتكار السلطة التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة،والانقلاب يفقد الشرعيّة، ويستدعي النّضال المشروع “.
من “سيدي مخلوف” بمدنين، جاء الرّجل إلى دنيا النّاس.. علي العريّض الكرائني التوازيني الورغمي، عاش الرّجل يتيم الأبّ في أسرة فقيرة، متكوّنة من شقيقين “نصر وعامر”،وأخ غير شقيق “ضو” وأخوات.. ربّما كان أصغر نائب رئيس في تاريخ الحركة،وذلك سنة 1985.وهو الذي التحق بالمكتب التنفيذي لأكبر حزب في البلاد،وعمره لم يتجاوز 25 سنة.
يقول صديق طفولته،وأيضا صديق محنته “الهادي بريك”: “هو الثالث ترتيبا بين الذكور.تعرّفت عليه ونحن أطفال دون العاشرة، إذ كانت أمّي على علاقة حميميّة بأمّه، والمسافة بين دارينا زهاء سبعة كلم ،وكانت لنا أرض خلف مسكنهم، وكانت أمّي تصحبني على حمارها، مرّة في الشّهر على الأقل لقضاء بعض حاجاتها الفلاحيّة هناك،وكنّا نمرّ على بيتهم صباحا “مائدة شاي”،ومساء كذلك عند العودة. التقينا بعد ذلك بدايات 1970 وما بعدها، في المعهد الفنّي بمدنين – أنشأ بورقيبة لأوّل مرّة في تلك السنوات،شعبة العلوم الاقتصاديّة على خلفيّة تصفية الإرث التعاضدي لبن صالح رحمه الله، واستقبال التجربة الليبراليّة،وكذلك شعبة التقنيّة الاقتصاديّة للتصرّف،فوجّهت أنا إلى هذه، ووجّه علي إلى العلوم الاقتصاديّة.طالب بعض المنظّفين والقيّمين مدير المعهد ( التلمودي رحمه الله ) بمصلّى، فأسّس لهم مسجدا كبيرا في المعهد بقبّة وميضأة وكلّ المتطلّبات، وسرعان ما غزاه التلاميذ. كان هذا عام1971.في البداية، كان عدد المصلّين في هذا المسجد، لا يزيد عن أربعة، منهم علي وزميلان لي. لم أكن مواظبا على الصّلاة ،ولكن كلّما ذهبت إلى المسجد، وجدت علي ( ببلوزة زرقاء ) يسبقني، وكان مواظبا.ولم يكن لنا أي نشاط عدا الصّلاة حتى 1974،حيث جاء علي نوير من سوسة إلى مدنين أستاذ رياضيّات،وهناك تحرّكت الدّعوة،وامتلأ المسجد بالتلاميذ.أخذ علي البكالوريا، وذهب إلى العاصمة.أين أصبح طالبا في البحريّة التجاريّة Marine Marchande .
يتميّز علي بالدقّة الشديدة في كلامه ومواعيده وبالحذر الشديد،ولكن بوضوح أشدّ، وكان منذ البداية تكنوقراط أكثر منه أيديولوجي.يركّز على الفكرة حتى وهو في خضم الملفّات التنظيميّة، ولا يستخدم الخطاب الدّيني كثيرا، حتى في تلك المحاضن، ولا يزيد عن الابتسامة مجاملة، وليس فضوليّا في الحديث.انقطع لقاؤنا منذ الأيّام الستّة الأخيرة من عام 1986،أي أيّام المؤتمر المضموني الأوّل، لنلتقي بعدها في جناح H في سجن 9 أفريل في صائفة 1987،إذ جيء به إلينا، بعد استبدال الإعدام بالأشغال الشّاقة المؤبّدة.دخل علينا فجأة، إذ كنّا نرقب إعدامه، وروى لنا ما جرى معه في زنزانات الإعدام بالسّجن المضيّق E17 التي كنّا فيها نحن قيادة الحركة قبل نقلنا إلى هذا الجناح ،وكنّا نمرّ كلّ يوم على زنزانات المحكوم عليهم بالإعدام، ودخلتها أنا بنفسي فضولا، وعاينت الحديد الذي يشدّ به السّجين والسلاسل.دخل علينا إذا في جناح H ،وهو ضعيف نحيف ،وأثر الإرهاق واضح عليه، وقال: وهبني الله عمرا جديدا، وبعد مدّة عزل عنّا، هو والشيخ في مكان قريب اسمه infirmerie ،وافترقنا بعد ذلك، حتى التقينا بعد خروجنا من السّجن عام 1989 في بيت أمّه عليها الرّحمة في مدنين، إذ ظلّت تتوافد عليه النّاس من كلّ فجّ عميق، واستمر الأمر ما يزيد عن شهر كامل،إذ تحوّل هذا البيت – رغم أنّ الحراسة الأمنيّة حوله ليل نهار – إلى ما يشبه المزار فلا ترى عدا الأفواج وسيّاراتهم على مدار السّاعة، ومن حسن الحظّ طبعا، أنّ المكان ريفي واسع في تلك الأيّام…. وجاءت اعتقالات أواسط ديسمبر 1990،وبدأ النّظام بعلي العريّض وبزياد الدولاتلي ثمّ تتابعت..”
علي العريّض، رجل شجاع، لا يستعرض الشّجاعة، وحكيم لا يستعرض الحكمة، وحييّ في غير تردد ،ومقتصد في الكلام على غير عجز.. علي العريّض في رصيده إعدامين، وحكم بخمسة عشر عاما سجنا، قضى منها عشرة أعوام في الحبس الإنفرادي.. علي العريّض، كان أمين عام الحزب الأكبر في البلاد،حين تداولت على التحقيق معه 4 من أعنف وأشرس الفرق الأمنيّة،نهشته السياط وصعقات الكهرباء، وأشرف على الموت تحت التعذيب، وخرجوا من تعذيبه بيد فارغة، والأخرى لا شيء فيها.. علي العريّض، لعلّنا لا نبالغ إذا قلنا إنك الوحيد ،أو من القلائل في العالم، الذي حوكم بالإعدام في سنة واحدة من طرف رئيسين، ثمّ يمضي لا يموت..

  • (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق