مقالات

ما حقّقه الأسرى الأبطال الستة

رولى الفرّا الحروب*
أصيب الكثيرون بالإحباط،بعد القاء القبض على آخر أسيرين من باقة الأسرى الستة، الذين أضاءوا بإرادتهم وصبرهم وعزيمتهم نفق الحرية،وألهبوا حماس الملايين حول العالم،بقصة هروبهم الأسطورية.
هروب الابطال الستة،من أعتى سجن إسرائيلي، كان أسهل على ما يبدو من البقاء خارجه، ما يكشف حقيقة مرّة ،أن فلسطين المحتلة كلها، من بحرها إلى نهرها، باتت سجنا كبيرا، والفرق بين من هم داخل سجن جلبوع ومن خارجه، لا تكمن إلاّ في درجة الاحساس بهذا السجن، وكيفية التعاطي معه.
الأبطال الستة،رغم إعادة أسرهم من قبل سلطات الاحتلال، نجحوا في تحقيق جملة من الأهداف،وإن كانوا سيدفعون ثمنها غاليا، على صعيد شخصي، تعذيبا وحبسا انفراديا ،وحرمانا من أدنى الحقوق الإنسانية ، ولكن هي الحرية حمراء لا يدّق بابها إلاّ بالتضحيات.
من أبرز ما نجح الأسرى الستة في تحقيقه:
١. إعادة قضية جميع الأسرى في سجون الاحتلال، وعذاباتهم إلى الواجهة، بعد طول تقاعس وإهمال ، وهو ما يستدعي تحويل هذا العمل البطولي المتفاني إلى انجاز وطني ،تحمل مسؤوليته كل الفصائل الفلسطينية، بما فيها السلطة الفلسطينية، مع تنحية الحسابات الضيّقة جانبا، وتكثيف كل أنواع الضغوط ،لتحرير من يمكن تحريرهم،وتحقيق شروط سجن أكثر إنسانية للبقية.
٢. عرض نموذج عملي لإمكانية التنسيق بين الفصائل المختلفة أيديولوجيا ،والمتّفقة وطنيا ،وتحقيق نجاحات واقعية، تجلّت باختراق أعتى منظومة أمنية بطريقة ابداعية، لما تنكشف جميع الحقائق بشأنها بعد.ولكن المؤسف، أن الأبطال الستة، لم يملكوا خطة لمرحلة ما بعد الفرار، ولم يجدوا من يماثلهم شجاعة وصبرا وذكاء ليؤويهم ،دون أن ينكشف مخبؤهم.
٣. مع ان أخبار القبض عليهم شكّلت نكسة، إلا أن أخبار فرارهم من “الخزنة”،كانت مصدر إلهام لكل المظلومين والمضطهدين في العالم، وشكّلت نجاحا اعلاميا هائلا، تردّدت أصداؤه في قارات العالم، ونصرا معنويا للسجين على السجّان.
٤. حتى بعد إلقاء القبض عليهم،ما زالت المؤسسات العسكرية والسياسية والأمنية في دولة الاحتلال ، تتبادل الاتهامات فيما بينها بالتقصير والإخفاق، بعدما اهتزت روحهم المعنوية، وساورهم الشك بكل أجزاء المنظومة التي ظنّوا أنها محصّنة، بل إن هربهم شبّهه بعض الكتاب بهزيمة” إسرائيل” في حرب اكتوبر ٧٣،واعتبره آخرون هزيمة أمام المقاومة الفلسطينية.
٥. رغم عقلية القلعة التي يعيشها كيان الاحتلال،إلاّ أن الصف السياسي فيها غير متّحد، وهناك شكوك في ضلوع أطراف إسرائيلية في تسهيل هروب الأسرى نكاية في الحكومة الحالية، ولإحراج خصوم سياسيين.
٦. تهديد حماس والجهاد برد قاس ،إن أقدمت”إسرائيل”على الإضرار بباقي الاسرى في السجون،مؤشّر على نشوء معادلة ردع جديدة، ترسل من خلالها المقاومة رسائل، بأنها قادرة على حماية أسراها، ولكن هذه التهديدات ،إن لم تقترن بقدرة حقيقية على الفعل، وبأوراق ضغط ذات ثقل، فإن ضررها سيكون أشد من نفعها.
٧. التعاطف الشعبي الكاسح مع الأسرى، يؤكّد أن بوصلة الشعوب العربية ،رغم كل محاولات التضليل والتطبيع وتزييف الوعي، ما تزال تؤشّر في الاتجاه الصحيح، ولكي تبقى تؤشّر في الاتجاه الصحيح، لا بد من ان يبقى مشعل المقاومة مضيئا بقصص البطولة.
وأخيرا، فإن نجاح هؤلاء الأبطال الأسطوري في كسر قيد السجن والسجّان، دفع بالقضية الفلسطينية مجدّدا إلى واجهة الأحداث في معظم دول العالم، وأحيا الأمل في التحرير لدى جموع المحبطين، فان نجح ستة أسرى عزّل في قهر أعتى منظومة أمنية في سجن جلبوع، أفلا ينجح ملايين الفلسطينييين في تحرير أرضهم إن طال الزمان أو قصر؟!

*نائب سابق في مجلس النواب الأردني

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق