مقالات

سقوط مدوٍ ومريع لحزب العدالة والتنميّة في المغرب

د. أسامة أبوارشيد *

السقوط المدوّي والمريع لحزب العدالة والتنمية في المغرب،ينبغي أن يُدْرَسَ بجدية بالغة،لا بمنطق الترقيع والتبرير والشكوى.وما أقدّمه هنا مجرد ملاحظات،وليس تحليلاً عميقاً.
لا شك أن تغيير قانون الانتخابات التشريعية في آذار / مارس الماضي ،القاضي بإلغاء العتبة ،وتغيير القاسم الانتخابي، كان يستهدف العدالة والتنمية تحديداً.المفارقة، أن أحزاباً شريكة للعدالة والتنمية في الحكومة،صوّتت حينها لصالح القانون، متحدية شريكها في الحكم، أو مستهينة به.أيضاً، لا يستبعد أن يكون هناك تلاعب في بعض نتائج الانتخابات.
ولكن ما سبق، لا يكفي وحده لتبرير كيف تقلّصت مقاعد الحزب من 125 في البرلمان الحالي إلى 12 فقط في القادم.وكيف تحوّل من حزب الأغلبية الأول على مدى عشر سنين، إلى الحزب الثامن في الانتخابات الحالية.أما فشل رئيس الحزب ورئيس الحكومة، د. سعد الدين العثماني، بالاحتفاظ بمقعده النيابي، فتلكم قصة أخرى أكثر إثارة ومأساوية.
بداية، ينبغي أن يعترف قادة “العدالة والتنمية”، أن محاولة تقمّص دور “حزب المخزن” والمنافسة على رضاه،لم تعد عليهم بخير. لا المخزن (المؤسسة الملكية والدولة العميقة) قَبِل بهم، ولا الشارع الداعم لهم كان سعيداً بذلك.لقد كان “العدالة والتنمية” أشبه بالغراب ،الذي أراد أن يقلّد الطاووس في خيلاء مشيته، فلا هو نجح في ذلك، ولا هو استطاع أن يعود إلى مشيته الأصيلة.
أيضاً، أرهقت الخلافات الداخلية الحزب، واستنزفت كثيراً من جهده ووقته وطاقته ومعنويات قواعده، وكان من اللافت أن يقبل الحزب ،أن يتدخّل المخزن في تحديد هوية قيادته،حيث سُحِبَ، عام 2017، تفويض تشكيل الحكومة من رئيس الوزراء السابق، عبد الإله بن كيران، وأعطي للعثماني، ثمَّ تمت الإطاحة ببن كيران من رئاسة الحزب.
دع عنك، أيضاً، سقوط بعض من رموز الحزب الكبار،وبعض ممثّليه في البرلمان في حياتهم الشخصية، التي هي عامة، وثبوت وجود وجهين وحياتين عندهم، على عكس ما كانوا يوهمون به الناس ويدعونهم إليه.
ولا ننسى هنا، أن الحكومة التي قادها الحزب على مدى عشر سنوات، عجزت عن تحقيق رخاء اقتصادي، جراء تَوَطُّنِ الفساد،وسيطرة المخزن على مفاصل الدولة كافة.كما تحمّل الحزب المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن انتهاكات حقوق الإنسان، والاعتقالات التعسفية لنشطاء المجتمع المدني والصحفيين، دون وجود سلطة حقيقية لديهم.وكانت الكارثة في دفاع بعض وزراء الحزب عن تلك الاعتقالات،ومحاولة تبريرها.
أما ثالثة الأثافي،فكانت في توريط “المخزن” للعثماني، أواخر العام الماضي، بالتوقيع شخصياً على اتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني، على الرغم من أن البرتوكول ،لم يكن يقتضي ذلك. كانت تلك ضربة معلّم، أطاحت بما كان تبقى للحزب وللعثماني من مصداقية.
للأسف، هذه طريقة قاسية في طيِّ تجربة، عوّل عليها كثيرون، وهي، ورغم أن فيها استهدافاً للحزب، إلا أن كثيراً من الأخطاء منبعها العدالة والتنمية نفسه.يكفي أولئك بين قياداته الذين صدقوا أنفسهم من أن المخزن سيقبل بهم بين محظييه، فكانوا أن برّروا له غير مرة كل تجاوز على حقوق شعبهم، كما خرجوا علينا يتغنّون بالأفق السياسي الواسع،والواقعية في التعامل مع الكيان الصهيوني، ونسوا أن قواعدهم الانتخابية صافية المنبع والعطاء، فلا هم كسبوا رضى المخزن،ولا هم حافظوا على رضى قواعدهم.
مرة أخرى،أتمنى أن تكون هناك مراجعة حقيقية وجادة لما جرى، وأن لا تكون هناك محاولات للملمة الأمر، كما أتمنىّ أن يقي الله “العدالة والتنمية”، طوابير “المبرراتية”والاعتذاريين، والتائهين في عالم الفكر والسياسية.
صحيح أن العمل السياسي يقتضي مرونة كبيرة،ولكن المرونة غير الميوعة،والانحراف دون بوصلة ولا كوابح.
حفظ الله المغرب الحبيب،وشعبه الطيب الأصيل.

* كاتب فلسطيني

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق