مقالات

من أعلام الدعوة(٨)..الشاعر الكبير غازي الجمل

الدكتور أحمد نوفل

إيه يا غازي الجمل.. تركتَ جرحاً ما اندمل.. وألماً ممضاً لا يحتمل.
والشريط الذي ضمّك أنت والشاعر الأستاذ كمال رشيد، والذي قرأ الأحبة فيه بعض أجمل أشعارك ،أعاد لنا الذاكرة الشاردة، وكلّما رأيت الشريط،واستعادة الذاكرة من قبلك.. وتدفّق لسانك بالكلمات الكبيرة بشموخها العالي.،وإذ بالمآقي تفيض بالدمع يا غازي. وقد تكرّر المشهد عشرات المرات،وفي كل مرة لا أسيطر على سيل الدمع،أسفاً لفقد عزيزين، حبيبين ،كريمين ،شاعرين، صادقين،يخطّان بروحهما الكلمات: كمال رشيد،وغازي الجمل. وكلّما أسمع أحد أبياتك، التي أحيت ذاكرتك، ولو من غير الشريط.. جرى الدمع مدراراً،وهطل.
يظن الناس أن الكلمة شيء قليل،وهذا بخس لقيمة معدن نفيس أصيل.وما الدين الذي غيّر البشر والوجود من حول البشر ومجتمعات البشر ،إلاّ الكلمة،لكنها بالطبع، كلمة الله، التي أعطت الشرف والمصداقية والسمو ،لكل كلمة تنطلق من منهج الله ،وتريد نشر نور هذا المنهج، وعدل هذا المنهج ،وقيم هذا المنهج في وسط حضارة مادية،تفّهت كل قيمة، وكل فضيلة، ونشرت بؤسها،وشفتوها، وجحودها،وجمودها على العالمين.
من هنا نفتقد أمثال الأستاذ غازي،وكلماته الأقوى من الرصاص.. وكم هُزمت جيوش،لامن قلة الرصاص،ولكن من نقص التعبئة الروحية والمعنوية ،التي توصلها إلى القلوب والعقول والنفوس والأرواح: الكلمة.
والكلمة،على كل حال ذات أثر كبير والشعر بالأخص، في ثقافتنا من قبل الإسلام ومن بعد، بقي له أثره البالغ والانفعال الجياش به.
فإذا كان الشعر ،منطلقاً من قيم الدين ،والحرص على الأمة والقيم الإنسانية، وحب الوطن ،والنفس الصافية الجيّاشة، والموهبة المتمكّنة، والملكة الأصيلة الفطرية المطبوعة، والمنفعلة بكل قوة بالحدث، فأنت أمام النفس الكبيرة: نفس غازي الجمل.. ومن هنا كان لشعره ذلك الأثر المتفردلاجتماع كل العوامل السابقة فيه: انطلاق من قيم الدين وروحه وأهدافه، وملكة وموهبة، وصدق إحساس، ورهافة وجدان، وقوة انفعال، ولغة متمكّنة، مطاوعة،مواتية، وانتماء جيّاش،فقد اكتملت شروط التوصيل والتواصل والاتصال.. واكتملت دائرة كهرباء الانفعال.وهذا ما تجمّع كله،عند الأستاذ غازي الجمل.
وفي مثل هذه الليالي الظلماء ،يُفتقد الجمل ،وشعر الجمل، وتبكي العين، لفقد مثل هذه الموهبة أمسّ ما تكون الحاجة إليها.. وفي الليلة الظلماء،يُفتقد البدرُ ،ويُفتقد الشاعر والشعر ،ويُفتقد الأستاذ الكبير الموهوب الحبيب الأديب الأريب اللبيب القريب ،الذي يصوغ الكلمة، ويغمسها في أعمق أعماق الوجدان، ويعتّقها في مستودع المشاعر والانفعالات،فتخرج فيضاً لا يغي ونبضاً لا يتوقّف ،ونبعاً لا يجفّ..
رحم الله رحمة واسعة ،أخانا العزيز على كل من عرفه: الأستاذ الشاعر غازي الجمل، ونتوج كلمتنا ببعض أحب أبياته إلى نفسي وأكثرها تأثيراً في قلبي وروحي وعقلي وعيني وفؤادي من قصيدته “قف شامخاً”:
قف شامخاً مثل المآذن طولاً .. وابعث رصاصك وابلاً سجيلا
مزّق به زمر الطغاة أذقهمُ .. طعم المنون على يديّ جبريلا
واحرق جثامين الطغاة ورجسها .. واسكب على أشلائهم بترولا
إن يحرقوا كل النخيل بساحنا .. سنطلّ من فوق النخيل نخيلا
إن يهدموا كل المآذن فوقنا .. نحن المآذن فاسمع التهليلا
نحن الذين إذا وُلدنا بُكرةً .. كنا على ظهر الخيول أصيلا

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق