مقالات

المحاولة الفاشلة لاغتيال ريشة

أميّة جحا*
في مثل هذا اليوم قبل عامين، تم قطع راتبي من قبل السلطة الفلسطينية، وتمنيّت أن أعرف الجرم الذي ارتكبته، لتقوم سلطة بمعاقبة أحد مواطنيها بقطع رزقه، مع التنويه أنه لم يتم ذلك، حتى بحق موظف يثبت تخابره مع الاحتلال ضد وطنه وشعبه!! …كنت أعتقد أن فاتورة الدم والدمع التي دفعتها من عمري، كزوجة لشهيدين، وأم لطفلة يتيمة، فضلا عن ريشتي التي بقيت تغرّد بخطوطها وألوانها لفلسطين، ستشكّل لي حصانة وطنية شرفيّة، تتجاوز منشار الانقسام البغيض، وكل أشكال الحزبية المقيتة، ومنذ بداية الانقسام ٢٠٠٧م، بدأ التغييب التدريجي لرسوماتي من النشر، عبر صفحات جريدة (الحياة الجديدة)،التي بقيت أحترم هامش الحريّة في التعبير، الذي أتاحته لي طوال عملي اليومي فيها، منذ آذار(مارس)٢٠٠٢م. وزاد الطين بلّة، منع حكومة غزة تداول صحف السلطة في القطاع، ردا على منع حكومة رام الله لصحف القطاع من النشر في الضفة الغربية ، فتمً التغييب التام!! مما شكّل شبه اغتيال معنوي لاستمراية الحضور الإعلامي ، وأصبحتُ للأسف ضحية هذا الانقسام من كلا الطرفين!!!
ومباشرة بعد الأزمة قمت بما يلي:
١_ راسلت إدارة الصحيفة في غزة ورام الله، والتي نفت جملة وتفصيلا، أي دور لها في قطع الراتب، وعزت الأمر إلى احتمال خطأ إداري فني في تحديث ملفّات موظفي السلطة في غزة، وطالبتني بالتريّث ، وعدم نشر الأمر إعلاميا.
٢_ أرسلت لنقيب الصحفيين السيد ناصر أبو بكر، بصفته نقيب الصحفيين، تلك النقابة التي من المفروض أنها تمثّل السلطة الرابعة، ومحامي الدفاع الأول عن حقوق كل الصحفيين، فلم أجد أي رد لرسالتي تلك حتى اللحظة!!
٣_ قمت بنشر قضيتي إعلاميا، بعد عام على قطع الراتب، وبعد شعوري بالخذلان، بعد الوعود المتكرّرة بحلّ الموضوع، وأصبحت مجرد خبر صحفي، تتسابق إليه وكالات الأنباء المحلية والعربية والعالمية!!
٤_ مع كامل الاحترام ،لتفاعل هيئات حقوق الإنسان في الضفة والقطاع، منذ إعلاني عن قضية الراتب، إلا أن دورها كان تدوينيا فقط، أكثر من كونه أداة ضغط فاعلة لها وزنها الحقوقي الاعتباري!!
٥_ تأكّد لي من خلال بعض الاتصالات، مع شخصيات سياسية محسوبة على السلطة، أن قطع الراتب تم بسبب إدراجي في (خانة المحسوبين على حماس لانتماءات زوجاي الشهيدين) كما قيل لي حرفيا!!..
واليوم، وبعد عامين من تجاوزي لصدمة قطع الراتب، ومرارة القهر والشعور بالظلم والغبن، والذي يشعر به ألآف من أبناء شعبي، الذين حوربوا في لقمة عيشهم، وحرموا من أدنى مقومات الصمود المعيشي، أقول:
_ أولا للسلطة الفلسطينية:
إن كان قطع راتبي بسبب انتماء الشهداء من أزواجي، فإنني لا ولن أنفي إي صلة بهما، بل أتشرّف بطهر التراب الذي تغبّرت به أقدامهما ، في ليالي الرباط الحالكة، والذي تخضّب بدمائهما فيما بعد، دفاعا عن كرامة شعبنا ووطننا، وهذا السبب لا يعطي البتة الحق في قطع الراتب، بل يحث على مزيد من التكريم، لا البتر والتقليم لزوجة الشهيد التي صبرت وضحّت، وتحمّلت صعاب الحياة دون زوجها، لتكون وتبقى أنموذجا مشرّفا ومشرقا للمرأة الفلسطينية!! وحسبي أن مسيرتي الفنية، ليست موثّقة في المنهاج الفلسطيني فحسب، بل في مناهج عربية مدرسية أيضا!!…وعليه، فإنني أؤكّد أنني سأبقى ما حييت، أطالب بحقي المشروع، ولا ولن يضيع حق وراءه مطالب.
_ ثانيا ،لحكومة غزة:
في الوقت الذي قطعت فيه السلطة راتبي، بحجة انتمائي لحماس، لم أجد مسؤولا واحدا فيها، يتصل بي، حتى لو من باب الدعم الأدبي الإنساني !! بل إنني فوجئت قبل شهرين، عندما راجعت ديوان الموظفين في غزة، لبحث إمكانية دمجي مع أسماء الموظفين في حكومة غزة(خاصة وأنً لي رقمي الوظيفي الموثّق في أرشيف الديوان)— بكتاب فصل من الوظيفة،بتاريخ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦م، بسبب عدم استجابتي لطلب الديوان بمراجعته في تلك الفترة، بناء على إعلان قام بنشره إعلاميا، يخصّ موظفي السلطة في القطاع!!! المضحك المبكي ، أنني عندما راجعت تاريخ كتاب الفصل، وكذلك إعلان الديوان، تبيّن لي أنه كان في وقت، كنت فيه مع زوجي الشهيد م. وائل عقيلان خارج القطاع،أمثّل فلسطين، في معرض خاص برسوماتي في مملكة البحرين، وقامت بافتتاحه شخصيا آنذاك، وزيرة العمل البحرينية(وكله موثّق بالصحف والصور وجواز السفر) _ ،بل الأشد إيلاما، أنني منذ ذلك الحين، لم أعد إلى غزة، إلاّ بعدما قضيت قسرا، قرابة ثمانية شهور مريرة، عالقة في مصر، مع مئات من الغزيين آنذاك، بعدما فرض الحصار على قطاع غزة، ولم أتمكّن من العودة إلا في أواخر يناير ٢٠٠٧م!!!
إنه من المعيب حقا، وبعد هذا التاريخ الحافل بالإنجازات ، والجوائز المحلية والعربية والدولية، أن تُقابل قضيتي العادلة من قبلكم أيضا بالتهميش، واللامبالاه، ليتم التكريم فيما بعد الممات، بوضع الاسم على الشارع،أو البيت الذي كنت أقطن فيه!!!
_ثالثا لشعبي الذي أفتخر بالانتماء إليه:
ستبقى ريشتي حيّة، عصيّة على الاغتيال، مرفوعة الهامة بكم، وبثقتكم ودعمكم، ستبقى تمثّل الأحرار والأنقياء، وتغزل خيوط شمس الحرية لأسرانا البواسل، وتكفكف دموع الثكالى، والأرامل والأيتام، وتتحوّل إلى مجداف لسفينة عودة اللاجئين من الشتات إلى الوطن، فالراتب لا ولن يشتري كرامة، ولا وطنا، ولا حتى أنفاس حياة، لكن الكرامة التي لا تقدّر بمال: هي التي تصنع الرجال، وتجعل النساء في مصاف الرجال الرجال: قولا وفعلا ورسما.

*فنّانة كاريكاتير فلسطينية

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق