أزمة حركة فتح العميقة تدفعها للاستعانة الفاشلة بالخطاب الديني
181 2 دقائق
ياسين عزالدين* تفاجأ الكثيرون من استخدام ،حركة فتح لرايات كتبت عليها عبارة التوحيد في مسيرات رام الله وجنين وغيرها، كما قامت صفحات تابعة لأجهزتها الأمنية، ببث محاضرة توعوية للأجهزة فيها عبارات دينية ووطنية، مما يدلّ على وجود سياسة عليا تدفع نحو الخطاب الديني. الجميع يستغرب هذا التغيّر المفاجئ وغير المتوقّع، والذي شهدناه بعد موجة من الاحتجاجات على جريمة قتل نزار بنات، فما الذي يحصل؟ سأشرح وجهة نظري حول الدافع ،وما نراه هو انعكاس لأزمة داخلية أكبر مما نتخيّل. بداية، فتح لا تحمل عقيدة فكرية محدّدة، وبالتالي لا مشكلة لديها في تبنّي خطاب ديني، فهي تنظيم “بتاع كله”،ولا مشكلة لديها أن تكون في الصباح تنظيميًا ماركسيًا لينينيًا ،وفي المساء تنظيمًا إسلاميًا سلفيًا. لكن ما الذي تغيّر ؟ ولماذا الآن؟ لماذا بعد الحراك الشعبي الرافض للسلطة؟ باعتقادي، أن الحراك قام بتعريّة حركة فتح بشكل غير مسبوق، وأفقدها المسوّغ الأخلاقي، فكل الكلام عن الطلقة الأولى،والوقوف في وجه الاحتلال ،وضد صفقة القرن تهاوى في الشهرين الأخيرين، منذ حرب غزة واغتيال نزار بنات. حتى كلامهم عن “المشروع الوطني”،لم يعد له معنى ويعجزون عن شرح ماهيّة هذا المشروع. صحيح أن فتح (والسلطة) ،تعتمد بشكل كبير وأساسي على الراتب والابتزاز ،وأنها طرف مقبول أمريكيًا وصهيونيًا، إلا أن القشرة الأخلاقية لا يمكن الاستغناء عنها؛ تلك المبررات الواهية التي يخدع بها أبناء الحركة أنفسهم، حتى يستمروا في هذا المشروع. لأن الموظف ،لا يستطيع الصمود في وجه الجماهير ،ولهذا لجؤوا إلى فتح كتنظيم لمواجهة المظاهرات،فذلك الشرطي مجرّد موظف،ولن يقاتل بقوة واندفاع مثل ابن التنظيم. لذلك ،القشرة الأخلاقية ضرورة لأي جماعة أو فكرة أو دولة أو تجمع في الدنيا بأسرها، حتى عصابات المخدّرات والمافيات واللصوص وبيوت الدعارة يختلقون لأنفسهم قشرة أخلاقية، يبرّرون من خلالها ما يرتكبون من موبقات. شاهدت برنامجًا عن أشهر تجار المخدرات( بابلو إسكوبار)، كيف أنشأ قرية نموذجية للفقراء أسكن فيها المئات،واعتنى بهم وقدّم لهم كل الخدمات، ومنع تجارة المخدرات في هذه القرية، فكانوا الحاضنة الشعبية له،حتى بعد موته بسنوات ما زالوا يفتخرون بـ “أعماله الخيرية”. تقع حركة فتح اليوم بلا قشرة أخلاقية ولا وطنية، وانتقاد الناس المتكرّر للحركة في المسيرات،ومواقع التواصل الاجتماعي،وفي الجلسات الخاصة والعامة ،ووسائل المواصلات، يستنزف أبناؤها نفسيًا بشكل كبير، ولا يجدون شيئًا يقنعون أنفسهم به. هذا يفقدهم الدافعيّة، والرغبة في الدفاع عن السلطة، ولهذا رأينا مسيراتهم هزيلة،حاولوا التغطية على ضعفها بأحجام الرايات العملاقة، على الرغم من أن الحركة استخدمت وسائل الترغيب والترهيب كافة من أجل الحشد لها. وهنا يأتي الخطاب الديني، فهو “سلعة” يسهل تسويقها في المجتمعات العربية، ومن خلاله تريد السلطة وأجهزتها الأمنية أن تقول لأبناء حركة فتح، إن لهم رسالة ساميّة، وأنهم ليسوا مجموعة مرتزقة ،بل ها هم يرفعون الشعارات الدينية أيضًا. ولأشرح الموضوع بطريقة أخرى، تخيّلوا ابن الأجهزة، وهو يسمع كلام الناس “حرام عليكم، خافوا ربكم، مش خايفين تقفوا بين يدي ربكم”، فسيكون رد فعله (على الأقل ليقنع نفسه): “كيف ما بنخاف الله، ما راياتنا عليها عبارة التوحيد،والضابط اليوم كان يشرح لنا قال الله وقال الرسول”، فالخطاب الديني يأتي لتعويض النقص في المبررات الأخلاقية لفتح والسلطة.
لماذا أقول إن هذا يعكس عمق الأزمة داخل فتح؟ الخطاب الديني ،يضر ّفتح على المدى البعيد، لأن هؤلاء الشبان الذين تربيهم على “قال الله وقال الرسول”،مع الوقت سيقرأون ويوسّعون مداركهم الدينية ،وسيبدأون بمحاسبة فتح، إضافةً لذلك سيقف الشاب الفلسطيني، ويقول لنفسه: لماذا أذهب للخطاب الديني التقليد (فتح) ،بينما أستطيع الذهاب للخطاب الديني الأصلي (حماس وحزب التحرير والتيارات السلفية)،وخصوصًا أن التقليد هو تقليد رديء،وليس متقنًا. وهذا الكلام تدركه السلطة وقيادات فتح جيدًا، وأتذكّر أن مذكرة داخلية، سرّبت في التسعينات،حذّرت من تبنيّ السلطة للخطاب الديني،لأنه سيعطي قوة للحركات الإسلامية،ودعت المذكرة لتبنّي. نموذج” زين العابدين” في تونس، وهو “تجفيف المنابع” ،وهذا ما قامت به السلطة تمامًا على مدار سنوات. لكن،لأن فتح تمرّ بأزمة معنويات عميقة جدًا، قد تؤدّي لانهيارها من الداخل، لجأوا لهذا الحل المؤقّت، على أمل أن تنتهي الحاجة منه قريبًا، لذا فاستمرار الحراك الشعبي بالضفة، يلحق أضرارًا عميقة داخل فتح ،وعندما نقول إنها ستنهار من الداخل،فلا نبالغ !