مقالات

حماس والثورة السورية ومحور إيران

بقلم: أسامة غاوجي*

  • أخطأ قيادي في حركة حماس ،خطأ أخلاقياً جسيماً ،وأساء لنفسه وحركته، بتحيّة سفاح سوريا، وأخطأ معه كلّ من أثنى بألفاظ التفخيم على أعداء الأمة بأسمائهم.
  • لا أحد يطالب الحركة بالتخلّي عن التحالف الاستراتيجي والعسكري مع إيران، ولكنهم يطالبونها بأداء إعلامي، أكثر ذكاء وأخلاقية واقتداراً، وبمراعاة عمقها الإسلامي والعربي.
  • وقف نشطاء الثورة السورية ومؤسساتها الإعلامية مع المقاومين في فلسطين، ورأوا في انتصارها انتصاراً لهم. وغنيّ عن القول إنّ هذه الوقفة، ليست شيئاً يُمنّ به، بل هي وقفة واجبة أخلاقياً واستراتيجياً.
  • معركتنا ضدّ الاحتلال (والاستعمار)،وضدّ الاستبداد واحدة، أو يجب أن تكون واحدة، وكلّ توسيع لمساحة الحريّة ضدّ هذين العدوّين، مكسب لمزيد من التحرّر والاستقلال. شرط نجاح هذه الوصفة هي تذكّر هذه الحقيقة، وتمتين هذه الوحدة، وعدم التخندق وراء نزعاتنا القطريّة ،وجعل قضايانا هي وحدها من يحدّد معيار الأخلاق.
  • حين خرجت حمـاس من سوريا، دفعت تكلفة ذلك، وقد كان قراراً أخلاقيّاً (وإن كانت تسنده قراءة سياسية). يعرف ثوار سوريا أنّ أبناء الحركة ،وقفوا مع الثورة، وشمّروا عن أذرعتهم في دعمها بكلّ ما أتوا. هذا لا يجب أن يُنسى.
  • بعد 15 سنة من التعاون الوثيق مع “إيران”، لم تتشيّع الحركة، ولم تغيّر خطابها العقائدي، ولم تتحوّل إلى “ذراع” (وإن قال من قال). ولكن، تغيّرت بعض الأمور التي كنا وما زلنا نخشى من انزلاقها.
  • في حمــاس تيار (تجوّزاً نقول “متأيرن”) رأى بعد فتور العلاقة مع إيران إثر موقف الحركة من الثورة السورية، أنّ مهمة الدفاع عن ال 365كم2 في محيط معاد، تقتضي الاصطفاف السياسي التام مع الداعم العسكري ،وغضّ للطرف عن إجرامه في المنطقة ودوره التخريبي. ثمّة خلاف في تحديد نسبته داخل الحركة على مستوى القيادات والقاعدة. ولكنّه ليس الغالب على الحركة أبداً.
  • التيار الآخر داخل الحركة، يرى أيضاً أنّ التحالف مع إيران ضروري واستراتيجي ولا غنى عنه، ولكنّه يحاول تخفيف حدّة هذا الاصطفاف خارجياً، ويحاول تعميق روابطه السنية (لعلّ وعسى أن يأتي من يعوّض عن هذا الحليف غير المرغوب فيه). ولكنّ هذا التيار -ولأسباب مفهومة جداً- لا يستطيع أن يشتم إيران،أو يدين من يمدح أذرعتها الشريكة في الدماء. صوت هذا التيار هو صمته عن المديح، والاكتفاء بشكر الدولة، دون أعيان المجرمين.
  • أسامة حمدان، لا يمثّل الحركة فعلاً. وسبق أن خسر دائرته الانتخابية في بيروت. ومع ذلك، حتى لو أخذنا حمدان كممثل عن أقصى التيار “المتأيرن”: الرجل لم يبادر، وإنما أجاب عن سؤال، وبرّر التحيّة ولم يسترسل بها، ولم يذكر اسم السفاح. نعم، حتى هذا بشع أخلاقياً، ولكنّك – إن أردت إحسان الظنّ بإخوانك الذين يقاتلون عدوّك- ستأخذه بعين الاعتبار.
  • هناك من هلّل للطائرات الإسرائيلية، حين ضربت الأسد، وهناك من نادى بتدخّل الأمريكان في سوريا. كان هذا خطأ أخلاقياً وسياسياً. (خطأ سياسي: لأنّ هذه القوى تريد إضعاف الأسد، ولكنّها لن تقبل بتغيير حارس الحدود الوفي واستبداله بمن يمثّل الناس. نتائج ذلك البعيدة مخيفة لهم).
  • ذكر النقطة السابقة يفيد في تقدير الأمور بقدرها، وفهم ماذا يعني أن يكون “الناس” في وضع اختناق وحصار (غزة) أو قتل ومجازر (سوريا). ساعتها تكون كلّ يد ممدودة حبل نجاة. مع ذلك، هذا الخطاب -مهما علا صوته- هو قشرة خارجيّة، نرجو أن يظلّ القلب تحتها سليماً، وهناك عشرات المؤشّرات على سلامة القلب، فاحرسوها وأبرزوها، هذا أولى.
  • الشركاء في دمنا العربي والمسلم كثر (الأمريكان والروس والصينيون والفرنسيون والإيرانيون وحزب الله والسفاح وبعض حكام العرب الذين تعرفونهم). نعم هناك فارق هائل في وحشية قتلة سوريا. قد تكون المقارنات مفيدة في تهدئة العقل، ولكنّ تقدير الغضب وشمّ رائحة الدم الطازج ضرورية.
  • نقد حمــاس عند مدح الطغاة والقتلة، واجب ديني أخلاقي ،فلا خير فينا إن لم نقله ،ولا خير فيها إن لم تسمعه، وكي لا نكون ممن حقّ فيهم “كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه”. وهو مفيد استراتيجياً في أمرين: تذكيرها بحاضنتها السنية، وزيادة حظوظ التيار “غير المتأيرن” داخل الحركة.
  • يجب أن ينضبط النقد بهذين الهدفين، وهذا يعني أن يكون نصحاً وعتاباً لا تبرؤاً وتجريماً. حمــاس ليست شريكة في الدم السوري! وهي اليوم تقاتل نيابة عنا، وتقاتل عدوّاً ضالعاً في ترسيخ كلّ المآسي التي عشناها ونعيشها.
  • يروى أنّ قاتل عثمان،طعنه تسع طعنات وقال: “ثلاث لله ،وستة لما في قلبي عليك يا عثمان”. مات سيدنا عثمان بعد الثالثة، ولكنّ الله أخرج أضغان الرجل. ليحذر أصدقائي من هذا، فنوازع النفس قد تصوّر باطلها حقّاً، وقد ترى في قضية حقّة مناسبة لإخراج نعرات ونزعات فاسدة. راقب قلبك ولسانك.
  • يُقال إنّ نحو 80% من الدعم غير الرسمي لغزة يصلّ من الخليج ،ومن الحاضنة السنية. نعم، قادة في الحركة أخطؤوا في خطابهم، ولكن من حسن الحظّ أنّ أهل الخير يحسنون الظنّ بالحركة. الأصل أن نفرح بذلك.
    -لأسباب إعلامية أو غيرها،نسمّي المقاومة بهذا الاسم. ولكن، لمن يؤمن بالله واليوم الآخر، هؤلاء مجاهدون. عاش جيل منهم في الخنادق والغرف السرية. هذا ليس صكّ براءة لهم، ولكنّ واجب القاعدين مثلي حسن الظنّ بهم.
  • نشوة الانتصار قد تعميك عن آلام غيرك ،وتدفعك لنرجسة ذاتك معياراً لكل حق، وهذا طغيان. وعمق الألم قد يستفحل ويعميك عن عن رؤية انتصار ينتمي لك، فتحوّل رصيده لعدوك، وتظلم نفسك، وهذا زيغ. صلوا من لم تزغ بصيرته ولم تطغى.
    هناك عواطف سياسية سهلة وسريعة، وهناك فعل سياسي. العواطف السياسية قد تكون محلّ تقدير وتفهّم، ولكنّ ضررها على قضيّتك ،قد يكون أكبر من فائدتها. فكّر بالنتائج التي تريدها: نريد أن نربح، لا أن “نفشّ خلقنا”. فكّر بالنتائج ..هذا أعظم وفاء لشهدائنا!

*كاتب وباحث سوري

(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق