مقالات

الصراعات المذهبية الإسلاميّة والتوظيف السياسي

بقلم : د. رامي عياصرة*
استحضار الخلافات بين المذاهب الاسلامية العقدية، بين الأشاعرة وأهل الحديث، أو الصوفية والسلفية ،واتهام الصوفية بأنها طريق للتشيّع ،ومهاجمة بعض المدائح النبوية المشتهرة على ألسن وحناجر الناس منذ عقود باعتبارها تقدح بالعقيدة وغيرها من الردود والاتهامات والاتهامات المتبادلة مما تطفح به وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، يعبّر عن استمرار حالة التيه التي يعيشها ” المتديّنون ” وعموم المسلمين من ورائهم بالذات فيما يخص هذا الجانب .
وتأسيساً على ذلك أقول:
أولاً: هذا الخلاف العقدي وكذلك الفقهي قديم ولن ينتهي ، ولكلٌّ أدلته وفهمه الشرعي وفق قواعد الاجتهاد المعتبرة ، وبالتالي ينبغي التركيز على كيفية إدارة الخلاف، بدلاً من الدخول في حدّة التصنيف والفرز بناءً على الخلاف نفسه.
ثانياً: إن الخلاف بين الناس في الأديان وفي المذاهب والفرق في كل دين هي سٰنّة إلهيّة (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم).
ثالثاً: استلهام التاريخ، وتجديد الخلاف بشكله المعاصر من الدعاة وحتى من العلماء ،يدل على توهان البوصلة،ويؤكّد على وجود فوضى في تحديد الألويات والعمل عليها بما فيه مصلحة الامة في تخليصها من بلاء الاستعباد والاستبداد وتسلّط الأعداء.
رابعاً: لكل مسلم الحق في أن يتبنىّ المذهب والطريقة والمنهج الذي يقتنع به وساقه له تفكيره وعقله واطمأن له قلبه متّبعا للأدلّة الشرعية وليس لهوى النفس.
فالمبدأ الذي رسّخه قوله تعالى : (لا إكراه في الدين)، أعطو لكل إنسان حرية التديّن، ليس في اختيار الاسلام من غيره فحسب ، بل وفي اختيار المذهب الذي يدين لله تعالى به.
خامساً: الفكر والرأي لا يواجه إلا بالفكر والرأي المقابل، وليس بالتهكم والتسفيه والتبديع أو التفسيق و التكفير ، فقد حدثنا التاريخ والتاريخ الاسلامي ذاته أن استخدام العنف لا يفرض مذهباً ولا ينهي آخر ، وقد رفض علماؤنا أن يفرض مذهبهم على الناس بحكم السلطة السياسية، ومثاله رفض الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه- إمام دار الهجرة – مقترح الخليفة المنصور بفرض كتابه الموطأ ومذهبه المالكي ليكون المذهب المعتمد للدولة ، فرفض الإمام مالك لعلمه انه لا يصح للدولة أن تتبنىّ مذهباً بعينه وتفرضه على الناس بالإكراه .
وفي كل مرّة، عندما تتبنّى الدولة مذهباً لتفرضه على الناس تفشل أو تسبّب فتنة ذات طابع مذهبي تماماً كما جرى في فتنة خلق القرآن الذي ابتلي بها الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه.
لذلك ، فان محاولة الدولة – أي دولة – إقصاء مذهب أو تيار أو اجتهاد أو مدرسة دعوية أو فقهيّة، هي محاولة فاشلة قبل أن تبدأ ، وعلى السلطة السياسية إن تنأى بنفسها عن كل ذلك إلا من التصدي لمن يحاول أن يفرض مذهبه أو فكرته أو منهجه على المجتمع بالقوة .
سادساً: ما يجري اليوم ، أن بعض الحكومات والأنظمة في المنطقة تتبنىّ بعض التيارات والمذاهب الاسلامية وتوظّفها لضرب التيارات والمذاهب الأخرى في توظيف له مآرب سياسية، وليست بدوافع شرعية أو دينية كما يظهر او كما يحلو للبعض أن يراه، وفي سكرة الاقتراب من صاحب السلطة، يظن بعض المنظّرين لهذا المذهب أو ذاك، أنه حظي بهذه المكانة، وفتحت له المنابر والأبواب بسبب قوّته الذاتية او بأحقيّة مذهبه وفكرته على غيرها، والحقيقة تقول غير ذلك ، إذ سرعان ما تنتهي هذه المرحلة بانتهاء الغرض من تقريب المذهب والتيار ليصار الى غيره لتحقيق أهداف جديدة.
فعلى الدعاة والمنظّرين للعمل الاسلامي والشيوخ والمريدين والأتباع الحذر من هذا التوظيف ، ومن أن يكونوا أدوات هدم في بناء الأمة، بدلاً من أن يكونوا سبباً في إعلاء شأنها وجمع كلمتها .
سابعاً: أدعوا العلماء والدعاة وطلبة العلم الشرعي والمهتمين بهذا الشأن، أن يتوقّفوا عن هذه الحالة من التراشق الذي لا يرضي الله تعالى العظيم ولا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم الذي حذّرنا من فتن تضرب الامة برجلها وتطوف بأرجائها لا تذر بيتا من العرب إلا دخلته ، فقد حذَرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من مثل هذه الفتن التي تقوم على اعجاب كل ذي رأي برأيه ،هذا الذي يصنعه التعصب وليس التمذهب .
فاحذر أن تكون وقوداً لمعركة طاحنة تخسر فيها دينك و ورعك وتجرّد فيها من حسنات أعمالك ، وفي المحصلة، فإن الأشعري الصوفي ، سيبقى كذلك ، والسلفي التفويضي سيبقى كذلك ، وربنا يفصل بين عباده يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.

* ناشط سياسي أردني.

* (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق