مقالات

“القوة الوطنية” و”القوة الوكيلة”.. أفغانستان نموذجاً

د.أسامة أبو ارشيد*
التقدّم السريع الذي تحقّقه طالبان في أفغانستان، والانتصارات الساحقة التي تحرزها ضد قوات الحكومة، ينبغي أن تفهم في سياق الفارق بين “القوة الوطنية” و”القوة الوكيلة”.
وقبل أن أفصل في الفكرة، أريد أن أوضّح مسألة شديدة الأهمية. لست من أنصار فهم طالبان للشريعة الإسلامية،ولا أنا من أنصار أيديولوجيتها ،ومحاولاتها فرض نمط ثقافي، تعدّه ديناً، على المجتمع. لو كنت أفغانياً لما قبلت أن أعيش في نظام حكم على رأسه طالبان، فيه عسف وتشنّج في فهم النص المقدس وتكييفه وإسقاطه.هذا رأيي، دون أن يعني ذلك أني سأقبل بنظام وكيل للأجنبي المحتل.
لنعد الآن إلى لُبِّ هذا المقال.
طالبان، تقاتل انطلاقاً من أيديولوجيا،ومن أجل رؤية ومشروع مناطه أفغانستان، أعجبتنا قناعاتها أم كرهناها.هي ليست قوة عميلة موجّهة من الخارج، تقوم بمهمات قذرة نيابة عنه.طالبان، عندها انتماء “للذات”، مهما كان مفهوم هذا الانتماء مشوّها، أو اختلفنا معه. في حين إن قوات الحكومة التي تتجاوز الثلاثمائة ألف جندي، المدربين أحسن تدريب عسكري على أيدي الأميركيين والناتو، والمسلّحين بأحدث الأسلحة الأميركية، ويوجههم ويشرف على خططهم خبراء غربيين، هم مجرّ د موظفين دون إحساس بالانتماء إلى وطنهم. إنهم يشعرون بأنهم أقرب إلى المرتزقة منهم إلى المواطنين.
يتعجّب الرئيس الأميركي من انهيار القوات الأفغانية السريع أمام زحف طالبان، إذ إنه يعلم أنها أكثر عدة وعتاداً وعدداً. ولكن ما لا يفهمه (جو بايدن) أن غريزة الارتزاق عند هذه القوات تحركت بشكل طبيعي، عندما أعلنت بلاده انسحابها العسكري. عدد القوات الأميركية في أفغانستان كان مجرّد بضعة آلاف، ومنذ سنوات لا يخوضون عمليات قتالية مباشرة، اللهم باستثناء الضربات الجوية التي لا زالت مستمرة. ولكن، كانت القوات الأفغانية الحكومية تشعر أن سيدها لا زال موجوداً،حتى ولو كـ”خيال المآتة” (الفزاعة) تسند إليها معنوياً. ولكن عندما شارف طائف خيال المآتة هذا أن يتلاشى، لم يعد ثمَّة من يدفعهم للاستبسال في الدفاع عن قرى ومدن وأرض لا يشعرون بالانتماء إليها، اللهم إلا لناحية الوظيفة والرزق. والوظيفة والرزق يقتضيان الحياة والسلامة، لا الموت والتضحية.
هذا هو الفارق بين “قوة وطنية”، مهما كان دينها وفكرها وعرقها،وبين “قوة وكيلة”، كما رأينا في فيتنام في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وفي أفغانستان أواخر السبعينيات وعقد الثمانينيات، واليوم في فلسطين، في الضفة الغربية وقطاع غزة. هذا أيضاً يشرح لماذا تهزم جيوش العرب الجرّارة، وتحقّق الحركات والتنظيمات المسلحة معجزات عسكرية أمام نفس العدو الذي يدوس رقاب النظام الرسمي العربي.
أرجو أن يكون في هذا بعض توضيح، إذ إن المشهد لا يختزل في هذا فحسب، ولكنه عموده الفقري.

* كاتب فلسطيني

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق