مقالات

الرد الأفضل على التطبيع العربي مع الإسرائيليين

محمد علي الفرا *

كثر الجدل والنقاش ،وتبادل الاتهامات ،حول مسألة تطبيع دولة الإمارات، مع إسرائيل،وطُلب مني بعض التعليق ،وإبداء الرأي. لذاأجيب باختصار، وعلى شكل نقاط:
١-إنه في مناقشةأي مشكلة،أكون طرفا فيها،أبدأ بنفسي،وأبحث عن أخطائي،التي استغلها الآخر، واتّخذها مبرّرا لسلوكه معي،قبل أن أركّز على أخطاء غيري،وأحمّله وزر ما حدث ،واعتبر نفسي ضحية ما فعل،وأبرّئ نفسي،من أي خطأ .
٢- الأنظمة العربية،وبدون استثناء،لم تتعامل مع القضية الفلسطينية،كما كانت تدّعي، بأنها قضية العرب الأولى،ولم تنظر إليها من منظور قومي،وأنا لا أقول هذا القول ،متجنّيا على أحد، فقد عاصرت القضية وأحداثها،وقابلت بعض القادة والزعماء العرب،ولا استمدمعلوماتي من كتب التاريخ،وإنّما من معايشتي للأحداث، ومن اطّلاعي على الوثائق العامه ،وبخاصة البريطانية منها،بحكم أن غالبية الأقطار العربية، كانت تحت النفوذ البريطاني آنذاك.
ومن اطّلاعي على الإرشيف الاسرائيلي، الذي أعاره لي المرحوم شيخ المجاهدين بهجت عليان أبوغربية، أقول ما يلي:
على الرغم من أنني أشرفت على التسعين من عمري ،إلاّ أن الله منحني ذاكرة قوية، حتى الآن،لذا أقول لكم ،ولا أخشى من قولي هذا أحدا،وإنّما إخشى أن أكتم عنكم الحقائق،فيحاسبني الله على ذلك، ولقائي به متوقّع في كل لحظة ( أقول لكم، إن التاريخ المسجّل في كتبكم، ملعوب فيه ومحرّف فيه،فالأنظمة العربية، دخلت فلسطين،بموجب خطّةبريطانية،ومنعت الفلسطينيين من الاشتراك في تحرير وطنهم ،وقامت بحل جميع المنظمات الجهادية،وطبعاأنتم تعلمون أن النتيجة، كانت هزيمة الجيوش العربية عام ١٩٤٨ والذي سُمّي عام النكبة ).
وبعد النكبة، بدأت الأنظمة العربية، تتّصل بإسرائيل، كي تتخلّص، مما اعتبرته عبء القضية الفلسطينية ..
وأنا سبق وتكلّمت في ذلك بالتفصيل، في محاضرة ألقيتها، في جمعية يوم القدس بعمّان في الثلاثين من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام ٢٠١٩،وذكرت فيها تسارع الاتصالات بإسرائيل ،بدءا بمصر في عهد الملك فاروق، ومن بعده عبد الناصر ومرورا بالأردن، وسوريا في عهد حسني الزعيم … الخ،
وكان رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، ديفيد بن غوريون، يرفض الصلح ،ويعلّل رفضه بالقول، إنه لن يجري أي صلح مع العرب،إلاّ بعد ان تصل إسرائيل إلى الحدود، التي تتطّلع إليها،وتحقّق الأهداف ،التي وضعتها . ٣-إن الوحدة بين شرقي الأردن والضفة الغربية، لم تكن كما تذكر كتب التاريخ ،رغبة فلسطينية-أردنية، تمثّلت في مؤتمر عمّان،في تشرين الأول م،١٩٤٨ برئاسة الشيخ سليمان التاجي الفاروق، ولا مؤتمر أريحا، في كانون الاول/ ديسمبر ١٩٤٨م،وانّما الضمّ ووحدة الضفتين، كانت نتيجة تحذير بريطاني،أرسله وزير خارجية بريطانية، في وزارة المستر “كلمنتاتلي” العمّالية،إلى الملك عبدالله الأول،عن طريق المعتمد البريطاني آنذاك كيركبرايد، يطلب من الملك سرعة ضمّ الضفة، لأن بن غوريون،كان أن الحرب لم تنته مع الأردن،إلاّ إذا سيطرت إسرائيل عليه ،وأنه يرى الأردن معتديا. محتلا لأرض إسرائيلية.
ولذلك ،كان عقد مؤتمري عمان وأريحا،بمثابة إخراج شكلي لعملية الضم.
٤-إن تكليف المرحوم أحمد الشقيري في مؤتمر القمة العربيةعام ،إجراء١٩٦٤ مشاورات مع التجمّعات الفلسطينية في البلاد العربية،لعمل كيان فلسطيني،جاء متأخّرا جدا .
وبعد أن وصلت القضية إلى مرحلة بات من الصعب،إن لم يكن من المستحيل على الأنظمةالعربيةآنذاك،حلّ القضية بما يرضي الفلسطينين والأمة العربية.
فأرادوا تشكيل كيان فلسطيني، ليتحمّل عنهم هذا العبء، الذي لم يعد يتحمّلوه،
ومن المعلوم، أن هذه القمة، عقدت لبحث مسالة تحويل إسرائيل آنذاك لنهر الأردن
٥-ربّما كان من أخطر وأهم قرارات القمم العربية ،كان عام م١٩٧٤،والذي صدر فيه :
إن منظمة التحرير الفلسطينية، هي الممثّل الشرعي والوحيد للفلسطينيين وقضيتهم .
وقد كتبتُ آنذاك مقالا في جريدة القبس الكويتية، قلت فيه: إن العرب تخلّوا عن القضية الفلسطينية ولم تعدالقضية عربية،ولا قومية،وأن الصراع لم يعد عربيا-إسرائيليا،وإنّما فلسطينيا-إسرائيليا.
وقد حمّلت آنذاك، الرئيس عرفات المسؤولية،لأنه كان من أكبر الساعين له،وإنه بلع” الطعم “،الذي وضعه الداهية كيسنجر أنذاك.
ولا شك أنذلك ،كان خطأ ارتكبه عرفات،وحمّله للأسف للفلسطينيين، فقراراته كانت دائما فردية . إن قرار القمّة عام،١٩٧٤مهّدالطريق لدول عربية،أوّلها مصر، بالتطبيع مع إسرائيل وقد بدات المحاولات قبل القمة ،وذلك حينما كان حسن التهامي ممثلّل الرئيس السادات يجتمع في المغرب مع موشيه دايان سرّا،للتباحث في حل القضية ،فجاء قرار الرباط ،الذي أعفى العرب من مسؤولياتهم نحو القضية الفلسطينية ،بمثابة هدية مجّنية للدول، التي أرادت التطبيع مع اسرائيل، وكانت مصر أوّل من استغلها عام ،١٩٧٩ وكانت أوّل دولة عربية، وهي زعيمة العرب آنذاك، وأكبر دولة عربية .

٦- ومن الأخطاء الكبرى، التي ارتكبها عرفات بقراراته الفردية، وحمّل الشعب الشعب الفلسطيني نتائجها القاتلة، انحيازه إلى الرئيس العراقي، صدّام حسين، أثناء غزو الكويت عام ١٩٩٠.
وكنت يومها قد قلت في لقاء سري مع أصدقاء مِن الفلسطينيين في الكويت، إنّه في حالة قيام نزاع عربي- عربي، فعلينا كثورة وكشعب مشتّت في كل البلاد العربية،أن لا نشترك في هذا النزاع،أمّا إذا كان النزاع عربيا اجنبيا ،فيجب أن نقف مع العرب ضد العدو في هذا النزاع .
غير أن من نتائج انحياز عرفات إلى صدّام، أن دفع الفلسطينيون ثمن هذا، بطرد معظمهم من الخليج وأقفلت مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية،وأصبح وضع المنظمة نفسها في غاية الضعف .
٧- حينما عقد مؤتمر مدريد للسلام عام ،١٩٩١م،هيّأت الأردن الفرصة للمنظمة،أن تحضر المؤتمر بوفد فلسطيني، تحت مظلّة وفد الأردنى،وعرض عرفات على ابن العم الدكتور محمد حسين الفرا رئاسة الوفد، فاشترط أن تتوقّف إسرائيل عن الاستيطان .
وقال إنّه لا معنى لمفاوضات مع الاستيطان،والذي سيتّخذ من المفاوضات ستارا للضمّ، فرفض عرفات هذا الشرط .وتولّى المرحوم الدكتور حيدر عبد الشافي رئاسة الوفد،وللأسف في الوقت الذي كان فيه حيدر عبدالشاف يتفاوض مع الاسرائيليين في مدريد، ثم في نيويورك ،كان هناك وفد فلسطيني يلتقي مع إسرائيليين في أوسلو سرا .
أفضت في النهاية إلى اتفاق اوسلو ،الذي تم توقيعه في البيت الابيض في عام ،١٩٩٣ برعاية الرئيس الأمريكي كلينتون .
ويومها، كتبت مقالا،أنتقد هذا الاتفاق، وأحذّر من عواقبه، وقلت:إن هذا الاتفاق، سيعطي المبرّر للعرب الراغبين في التطبيع مع إسرائيل للتطبيع علنا معها .
وبعد قيام السلطة، تم الاتصال بي ،ليكون لي موقع فيها، فاعتذرت،وللعلم فإنني أعرف عرفات، حينما كنا طلابا في الجامعة بالقاهرة،ولما جاء الى الكويت ،وعمل مهندسا في دائرة الاشغال، قبل استقلال الكويت ،زارني عام ،١٩٥٩،وكنت مدرّسا ،ولي نشاط اذاعي واعد” ركن فلسطين”، ولما زارني مع المرحوم سليمان ابو كرش،عرض عليّ أن أكون معه من المؤسّسين لحركة فتح، والتي تأسّست انذاك في الكويت، فاعتذرت، لأني كنت إنوي السفر لبريطانيا، للحصول على الدكتوراة، ولإني لم انسجم مع عرفات،بناء على معرفتي به ،حينما كنّا طلابا بالقاهرة .
٨- لقد تبيّن لي أن معارضتي لاتفاق اوسلو ،والتي بيّنتها في مقالاتي آنذاك، ثم جمعتها في كتاب بعنوان “السلام الخادع”, ونشرته عام ،٢٠٠٣ وفيه ذكرت انتقاداتي للاتفاق ،وكتبت توقعاتي وللأسف كل ما توقّعته قد حدث .
٩-إن اتفاق اوسلو،ليس مجرّد تطبيع مع اسرائيل،وانّما هو عمالة لخدمة اسرائيل، فالسلطة تتولّى عن إسرائيل،حماية أمنها ،وتتيح الفرصة لها، لتتفرّغ لمصادرة الأراضي الفلسطينية،وهدم منازلهم،وتجريف أراضيهم الزراعية،وارتكاب المجازر،وطرد السكان،وترحيلهم، ولا تجد من الفلسطينيين مقاومة تذكر، لأن السلطة ترفض المقاومة، وتلقي القبض على المقاومين،وتتهمهم بالإرهاب، وتبلّغ السلطات الإسرائيلية عن الأفراد أو الجماعات، التي تعدّ العدّة لمقاومة اسرائيل .
أنا لم أسمع،ولم أقرأ في التاريخ، أن شعبا تحت الاحتلال،والذي حقّه المقاومةبكل الوسائل، يتولّى حماية الاحتلال !!؟؟
١٠- وأخيرا، وليس آخرا، فإن ما زاد الطين بلّة،وزاد الأمر سوءا، هو الانقسام الفلسطيني،إلى سلطتين، كليهما بلا سلطة حقيقية، وهم سلطة في غزة ،وسلطة في الضفة .
إن هذا الوضع الفلسطيني المزري،كان نتيجة ما ذكرته سابقا،وآخرها الانقسام،مما أضعف من موقف كل فلسطيني، ينتقد فيه أي دولة عربية، تقيم علاقات مع إسرائيل..
إن ما سبق أن قلته،لايعطي المبرّر، لأي بلد عربي للتطبيع مع اسرائيل،لأن قضية فلسطين،ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، وإنّما هي قضية العرب،و قضية أحرار العالم ،وإن المسجد الأقصى، ليس للفلسطينيين وحدهم ،وانّما هو للعرب والمسلمين،وإن من واجب العرب ليس الانحياز إلى أي طرف فلسطيني ،وانما العمل على المساعدة في إصلاح أي اعوجاج وتقويمه. وأن يدركوا أن الخطر الإسرائيلي،على جميع البلدان العربية،وآمل أن لا ينطبق عليهم، المثل : (أكلت يوم أكل الثور الأبيض )…
إن بلادنا العربية،أمام قوى إقليمية، طامعة في أراضيها، ومواردها، والسيطرة على شعوبها…إنّهااليوم اصبحت رجل الشرق المريض،ينتظرون وفاته ،لتقاسم ورثته ،مثلما كانت تركيا في القرن التاسع عشر رجل أوروبا المريض .
إنني أرى أن أفضل رد على أي تطبيع عربي مع إسرائيل، هو الإسراع بالوحدة، وإنهاء الانقسام ،والاتفاق على هدف مشترك،وخطة واحدة.
بدلا من توجيه الانتقادات للمطبّعين،فهم باعمالهم سابقة الذكر،أعطوا المبرّر لمطبعين ما كان ينبغي لهم، أن يطبّعوا مع دولة بعيدة عنهم، ولا حدود لهم معها، وليس لهم مصلحة فيه ،وإن إسرائيل، هي المستفيد الأكبر منه.

*ممثّل فلسطين السابق في الأمم المتحدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق