مقالات

رحيل صفوت الشريف الذي اشترى الضمائر وباعها !

فادية الغزالي حرب*

مات صفوت الشريف،رجل المهام الخاصة ،التي أتقنها بجدارة، فأصبح أقدم وزير للإعلام…المرّة الوحيدة التي ألتقيته فيها ،كان يوماً لا يُنسى من فرط ما أحدثه فيّ من دهشة ورعب فى نفس الوقت!!
فكل ما تسمعه وتدركه، غير الذي تلمسه بيديك.
بالصدفة، كنت مصاحبة لرئيسة إذاعة الشرق الأوسط ،وأحد كبيري المذيعين، دخلنا إلى مكتب صفوت الشريف ،أجلسنا ،وبدأت رئيسة إذاعتنا في طرح أسئلة من مختلف الفئات: فنانون وكتاب ومستمعون، أسئلة مسلّية، مسالمة، ليس فيها ما يُزعج أو يلفت النظر، وجاءتني الفرصة أن أسأل،
وكانت قناه الجزيرة فى هذه الفترة في قمة نجاحها وذيوعها، وبدأت تشكّل منبراً للمعارضة المصرية ،سبّب صداعاً وقلقاً شديدا لدى مؤسسة الحكم فى مصر، قلت له :ألا ترى يا سيادة الوزير، أن الردّ على الخطاب الإعلامي لقناة الجزيرة، يكون بخطاب إعلامي أقوى من حيث المهنية والنزاهة والحرية، بدلا من هذا العزف المنفرد ،الذي نراه ونسمعه فى وسائل الإعلام الرسمية بطريقة فجّة وساذجة، ولا تليق بالإعلام المصري!!…رفع صفوت الشريف حاجبيه ،ممتعضاً ومندهشاً، مما اعتبره تجرؤا غير مقبول،وأسلوباً لم يعتده في أروقة وزارته !! وانسحب بجسده إلى حافة مقعده !! وقال ثائراً: أنا كلّمت وزير الإعلام بتاعهم، وقلتله شوف (هخلّي أصغر رقّاصة تطلّعلّك القديم والجديد يا حافي)!!
ثم التفت إلى الفنيين الموجودين للتسجيل ،وقال:(أنتم بتسجّلوا) ؟! ردّوا، لا سعادتك ما حدش سجّل حاجة) !! لا يمكن أن أنسى هذه اللحظة، وحالة الرعب التي تملّكتني أن يكون هذا الرجل وزيراً أصلاً !! ووزيراً للإعلام …صفوت الشريف ،هو الذي أرسى وأبدع فى خلق إعلام تجميل النظام الحاكم، وتبرير مواقفه أياً كانت ،والتعتيم على أخطائه، وإخفاء الحقائق، الأنوثة والليونة والوجه الحسن ،كان طريقا مفتوحاً للنجومية على الشاشة الصغيرة ،وتتراجع أمامها المعرفة والثقافة والشخصية، وتُقدّم لها التحية ،وتُفتح أمامها الأبواب المغلقة !!
أذكر في الاجتماع الأول الذي حضرته، بعدما تم قبولي كمذيعة بالإذاعة، قالت لنا رئيسة المحطة فى ذلك الوقت :(اسمعوا إحنا ملناش دعوة بالسياسة، أنا شخصياً بقرأ جريدة الأهرام من الصفحة الأخيرة، وأمرّ على الوفيات! أيوة احنا هنا عبد المأمور !!)… نعم كنا نجتهد ونُبدع أحيانا ،ونملأ الأثير بالبرامج والحوارات والأغاني ،لكن في إطار كوننا عبيد، دون أي خرق أو تجاوز لثقافة العبودية!
كان صفوت الشريف محترفاً في أدائه، يعرف كيف يشتري فلانا، ويبيع آخر ،أو ينقلب على من اشتراه ،ويُعيد من باعه إلى حظيرته، والضحية هى أجيال كاملة، هربت بذهنها إلى القنوات الأجنبية ،تبحث عن خبر صادق ،ومناقشة جادة.
الضحية ،كانت مئات من الكفاءات الإعلامية المتميّزة والموهوبة ،هاجرت إلى الخارج، وكان لديهم القدرة على إيجاد إعلام مصري على أعلى مستوى، لكن مواصفات ومتطلّبات صفوت الشريف الإعلامية، لا تنطبق عليهم، ولا هم يقبلونها.
رحل صفوت الشريف ،الذي بكى لأول مرة أمام المحقّق بعيد ثورة ٢٥ يناير ،عندما سأله الأخير عن قصره المنيف فى فرنسا، تقوّدت الثورة،واستُشهد من استشهد على أعتاب ماسبيرو، مملكة صفوت الشريف الخاصة ،وخاتم إصبعه ،وتشرّدت قلوب الثائرين ،بين متاهات الغربة ،ووحشة الزنازين ،والآن ننعى صفوت الشريف ،فمن سيرحمه الله الحكم العدل ؟!

*ناشطة مصرية

(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق