مقالات

اقتلاع ظاهرة شراء الاصوات

حسين الرواشدة*


ثلاثة اطراف تتحملّ مسؤولية «المتاجرة» بأصوات الناس وذممهم: الطرف الأوّل ،المرشّحون، الذين استقالوا من قيمهم واخلاقهم، ونزلوا «بالبرشوت» على حياتنا العامة، وتلوّثت «أيديهم» بالفساد، وأعتقد أن «المقعد» النيابي، هو طريقهم إلى المال والشهرة والحصانة،وهؤلاء –للأسف- أفرزتهم سنوات ،حين تراخت الدولة عن القيام بواجباتها.
أمّا الطرف الثاني، فهو المجتمع الذي نشأت فيه طبقة اجتماعية، ذات قابلية للفساد والاستبداد، هذه «الطبقة» ،وجدت نفسها أمام واقع جديد «فتكيّفت» معه،وأصبحت تنظر الى كل شيء من «ثقب» مصالحها الفردية، ليس بالضرورة أن تكون محسوبة على خط الفقر،فالفقراء الحقيقيون لا يمدّون أيديهم للمال الحرام ،ولا يبيعون «ذممهم» ،مهما كان الثمن، ولكنها محسوبة على «الفقر الأاخلاقي» الذي يجرّد الإنسان من آدميته وفطرته السليمة، ويحوّله إلى «نفر» انتهازي وأناني.
الطرف الثالث ،هو المناخات السياسية والفكرية، التي افرزت منظومة جديدة من «القيم» والتقاليد، حيث تقدّمت –مثلا- قيمة «الشطارة» على «الكفاءة»،وقيمة «الكسب» والنهب على قيم العمل والاخلاص ،وبذلك تصدّر «الشطُار» والفهلويون المشهد،وأخذوا حظوتهم في المجتمع، وتراجعت منظومة «الأخلاقيات» العامة ،سواء على صعيد النخب أو الأفراد أو الدولة، لدرجة أن النظافة» السياسية ، أصبحت عملة نادرة، والمساءلة عن «المال» اللامشروع، أو “النفوذ» المشبوه غير واردة.

هذه الظاهرة ليست مرتبطة بمواسم الانتخابات فقط، فالانتخابات تكشفها ولا تنشئها، ولكنها جزءٌ من «الثقافة» المغشوشة التي اصابت مجتمعنا، وجزء من «السياسة» العمياء التي قطعت علاقة الناس بقيمهم، وعلاقة المجتمع بالدولة، وتركت «المواطنين» مجرد ايتام امام «موائد» مسمومة اقامتها مجموعة من «النخب» التي وضعت يدها على المجتمع، وحاولت ان تشكله على حسب اهوائها، وتعاملت معه بمنطق «الرق» الذي لا يرى الانسان الا من زاوية «تسخيره» لخدمته والتزامه بأوامره.
صحيح ان الهيئة المستقلة للانتخاب بادرت الى احالة بعض المتورطين الى الادعاء العام ، و صحيح ان القانون يتيح إحالة «البائع» والمشتري الى المحكمة لمحاسبتهما على جريمة المتاجرة، لكن هذا لا يكفي. اذا لا بد من وضع تشريعات رادعة لمنع هذه الظاهرة. وملاحقة اصحابها حتى لو اصبحوا نوابا تحت القبة ، هذا بالطبع اذا ا توافقنا جميعا على خطورة «الظاهرة» على المجتمع، اذ ان حالة «الشراء» تغلغلت داخل وعي الكثيرين واصبحت جزءا من «الممارسة» المقبولة اجتماعيا (لا تسأل هنا عن الاسباب فهي كثيرة»؛ ما يصعّب مواجهتها بسلطان القانون او حتى سلطان «الفتوى» والارشاد وحدهما؛ الامر الذي يقتضي البحث في توفر ارادة سياسية تبدأ ب«اصلاح المجتمع» من بوابة استعادة «قيمِه» المهاجرة اولا، وبسط قيم الدولة عليه ثانيا، وتحرير الناس فيه من سطوة الفساد والاستبداد تمهيدا لتهيئة «التربة» الاجتماعية النظيفة والتعهد برعايتها من خلال قلع ما يخرج منها من اشواك او احساك.
مواسم المطاردات في مولات «شراء الاصوات» كشفت لنا صورة «المرشحين» الذين استخدموا المال الاسود لانتزاع مقعد في البرلمان. او الاخرين الذين. فشلوا في ذلك ، لكنها قبل ذلك كشفت لنا صورة مجتمعنا الذي تحول الى «سوق» لعرض الاصوات والذمم وبيعها في مزادات شبه علنية، وهذا بالتأكيد لا نستطيع ان نحاكمه او نودعه في «السجون » ولكن يمكننا ان نصلحه «بالسياسة» النظيفة والعدالة والحرية لكي يتحرر من نفوذ الفاسدين وسطوة «الشطار» وغلاسة المفجوعين بالمناصب.

هذه الظاهرة، ليست مرتبطة بمواسم الانتخابات فقط، فالانتخابات تكشفها ولا تنشئها،ولكنها جزءٌ من «الثقافة» المغشوشة التي اصابت مجتمعنا، وجزء من «السياسة» العمياء التي قطعت علاقة الناس بقيمهم، وعلاقة المجتمع بالدولة، وتركت «المواطنين» مجرّد أيتام أمام «موائد» مسمومة، أقامتها مجموعة من «النخب» ،التي وضعت يدها على المجتمع،وحاولت أن تشكّله على حسب أهوائها، وتعاملت معه بمنطق «الرق» ،الذي لا يرى الإنسان، إلّا من زاوية «تسخيره» لخدمته، والتزامه بأوامره.
صحيح، أن الهيئة المستقلة للانتخاب،بادرت إلى إحالة بعض المتورّطين، إلى الادعاء العام ،وصحيح أن القانون ،يتيح إحالة «البائع» والمشتري إلى المحكمة لمحاسبتهما على جريمة المتاجرة، لكن هذا لا يكفي.،اذ لا بد من وضع تشريعات رادعة لمنع هذه الظاهرة،وملاحقة أصحابها، حتى لو أصبحوا نوابا تحت القبة،وهذا بالطبع اذا توافقنا جميعا على خطورة «الظاهرة» على المجتمع، إذ إن حالة «الشراء»،تغلغلت داخل وعي الكثيرين،وأصبحت جزءا من «الممارسة» المقبولة اجتماعيا (لا تسأل هنا عن الأسباب فهي كثيرة»؛ مايُصَعّب مواجهتها بسلطان القانون،أو حتى سلطان «الفتوى» والإرشاد وحدهما؛ الأمر الذي يقتضي البحث في توفر إرادة سياسية، تبدأ ب«إصلاح المجتمع» من بوابة استعادة «قيمِه» المهاجرة أولا، وبسط قيم الدولة عليه ثانيا، وتحرير الناس فيه من سطوة الفساد والاستبداد،تمهيدا لتهيئة «التربة» الاجتماعية النظيفة، والتعهّد برعايتها، من خلال قلع ما يخرج منها من أشواك وأحساء.
مواسم المطاردات في مولات «شراء الاصوات» ،كشفت لنا صورة «المرشّحين»، الذين استخدموا المال الأسود، لانتزاع مقعد في البرلمان، أو الآخرين ، الذين فشلوا في ذلك،لكنها قبل ذلك، كشفت لنا صورة مجتمعنا الذي تحوّل إلى «سوق» لعرض الاصوات والذمم وبيعها، في مزادات شبه علنية، وهذا بالتأكيد ،لا نستطيع إن نحاكمه، أونودعه في «السجون » ،ولكن يمكننا أننصلحه «بالسياسة» النظيفة والعدالة، والحرية،لكيّ يتحرّر من نفوذ الفاسدين، وسطوة «الشطّار »،وغلاسة المفجوعين بالمناصب.

*كاتب فلسطيني
* (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق