مقالات

بكاء شعب وغياب ملك !

بقلم : عدنان الروسان*

ننظر حولنا ، عالمنا لم يعد شفّافا، وأقصد عالمنا الصغير ، وطننا الذي هو كل عالمنا ، واليوم أتحدّث بجدية عن الشفافية،و ليس ترميزا لنهج التزوير و التزييف و العبث بارادتنا في كل شيء ،اليوم عالمنا ضبابي مليء بالغموض،كقصص الفريد هيتشكوك،أو اغاثا كريستي،أو دان براون ، اليوم نحن نخاف من العتمة،ونخاف من النور،نخاف من نومنا،ونخاف من صحونا،لأننا نرى نفس الكوابيس، التي نراها في مناماتنا،نراها في صحونا،ونحن ننظر الى وطن تمزّق،نرى وطنا ينقضّ عليه جمع من شذّاذ الآفاق، يقطّعونه إربا، هم يبتسمون، يمزْقوه وهم يتضاحكون،يجهزون عليه،وهم يتسامرون.
لم نعد نرى وجها وطنيا في الحكم و الحكومة يطمئننا،ولا علما عاليا يرفرف فيعزّينا ، نرى وجوها باسرة،تظن أن يفعل بها فاقرة ،رجال الحكم لا يعملون إلاّ في الظلام ، في الظل،نحن لم نعد موجودين بالنسبة لهم ، نحن نتصيّد اخبارنا،وأخبار وطننا من المواقع،ومن الخارج،و مما تسرّبه السفارات و الاستخبارات، و الدولة الصديقة و العدوة ،هذا إن بقي لنا صديق،رجال الكراسي و المناصب اليوم،يأخذون كل ما يشاؤون،و لا يعملون بما يربحون من الوطن،يشعرون أنهم هم الشعب،وهم الوطن، وهم الأنبياء،وهم الذين يفهمون يتطاولون على الله، ويتقاسمون معه بعض صفاته وأسمائه ، هم كل شيء و نحن لاشيء ، ندفع رواتب الأمن و الدرك ،ويشحنون الدرك والأمن علينا نحن النكرات ، نحن الشعب،الذي كنا يوما حينما كان الوطن بخير ،كنا مصدر السلطات،و اليوم صرنا ابناء الخدّامات، و رجال الحكم، سادتنا و تيجان رؤوسنا.
اليوم ،و انا أسير في بعض شوارع عمان و الزرقاء ايضا،وجدت ورش عمل لا تهدا، تعمل من أجل الشعب ،عدد هائل من الكاميرات و الرادارات، يتم تركيبه في الشوارع، يبدو أن أصحاب الحل و الربط يريدون مزيدا من دماء الأردنيين، على شكل مخالفات للسيارات العتيقة المدمّرة، لا أدري سر هذا النشاط المنقطع النظير لتركيب الكاميرات والرادارات،و هو ليس للحفاظ على حياة المواطنين،فقد شبعنا كذبا وتدليسا علينا . لقد نضجنا،ولم تعد تنفع الأكاذيب علينا ،صرنا وطن النفاق والكذب ، صرنا شعبا يحكمه ديناصورات محنّطة، ورؤساء حكومات أقرب إلى رؤساء المافيات من الصف الثاني ، رؤساء يأتون ورؤساء يذهبون،والكل مبتهجون ، ممتلئون بالأموال و البيوت و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و يمدّون السنتهم للشعب المنكوب .

نكبة الفلسطينيين الأولى والثانية، أهون من نكبة الأردنيين،التغريبية الفلسطينية لوليد سيف، ستكون نزهة،بجانب التغريبة الأردنية ، نكبة السوريين أهون من نكبتنا ، وضع العراقيين أهون من وضعنا ، هناك يموت المواطن مرة واحدة على يد حكومته و فاسديه، وهنا يموت المواطن الأردني كل يوم مائة مرّة، مرّة في المخبز،حيث كيلوا الخبز بثلاثين قرشا، أو أربعين،ومرّة أمام كيلو البندورة أبو الدينار، و الذي كنا نطعمه للبهائم يوما ما، و مرّة أمام الملحمة، التي صارت حكرا على الفاسدين،والأردني يأكل لحما إن استطاع ،تستورده شركات للفاسدين بها علاقة،لحم نعل الحذاء أطرى منه، وأكثر فائدة، ومرّة عند المرابين إخوان الشياطين.
هذا وطن لا يحكمه أحد ، صرنا نشك أن لنا ملكا ،كنا نحب أباه، و قرّرنا أن نحبّه ،و لكنه لا يحبنا أبدا !نتمنى عليه ،أن يحدّثنا فلا يفعل،يا ملك زماننا،ألا يحق للشعب هذا، إن ن كنا شعبا ، وصرت أشك أننا شعب،فنحن نساق كالبهائم سوقا ،ننادي فلا تسمع لنا ،نبكي فلا تأبه بنا ، نجوع فتشبع ،ونعطش فتروى ، و نضحُي فتتفيأ ظلال جنانك ،نشكو لك رؤساء حكوماتك،بعضهم لصوص،وبعضهم كذْابون،و بعضهم لا لونو لا طعم لهم،ولكن لهم رائحة تزكم الأنوف، فلا تفعل شيئا بل تكرمهم ، تسعدهم و تشقينا، وتغنيهم وتفقرنا ،ثم تقول لنا الوطن بدو تضحيات ، عن أي تضحيات تتحدّث ، لم يعد لدينا شيء نضحّي به،لقد أعطينا وما استبقينا شيئا ، ونخشى من الجوع و الفقر، أن يضحّوا بشرفهم وأوطانهم.
المعارضة تتّسع،ولم تعد أحادا و لا عشرات،والمراهقون السياسيون في الديوان والرئاسة، يقولون لك إن الناس بخير،الناس ليسوا بخير ،ثلثا شعبك على الأقل،إمّا يجوعون،أو يبردون او يعطشون او ينامون كل ليلة باكين،وأنت تتقلّب في النعيم،وستقف بين يدي الله يوما ما،و نحن نشفق عليك من ذاك اليوم فاتق الله بنا ،و حسبنا الله و نعم الوكيل .

* كاتب أردني

(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق