أنس رصرص*
يرمز الاسم إلى المنظمات الاهلية غير الحكومية ،التي تُعنى بالدفاع عن حقوق الفرد والمرأة والطفل وضحايا العنف ،ونشر ثقافة التسامح بين الشعوب ،بديلا للولاءات الوطنية والقومية والدينية .
أولى تشكيلات( NGOS )العالمية ،كانت في تسعينيات القرن الماضي ،وهي من الأدوات المكمّلة لعمل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، الهادفة للتغلغل في مجتمعات العالم الثالث ، حيث تتبع الأنظمة الحاكمة في البلدان المستهدفة في ولائها لامريكا خصوصا ،والغرب عموما ، وذلك لغرض فرض المعايير والقيم (النيوليبرالية)،وطريقة حياة الغرب، وصولا لتبنيّ ثقافته وسياساته العالمية والمحلية .
وتجري كل سياسات الضغط (النيوليبرالي)هذه ،بذريعة التمويل ،الذي تقدّمه الدول الليبرالية ( أمريكا بالدرجة الاولى) لهذه الدول المستهدفة .
تعمل مجموعات (NGOS) ظاهريا ،على تعزيز وجود مؤسسات ومفاهيم المجتمع المدني في الحيّز الذي تخلّت عنه الدولة والسلطة الحاكمة، أو لم توله اهتماما ،ولكنها في الحقيقة، تشتري ولاءات الناس للقيم والسياسات الليبرالية ،وتزاحم الفصائل والقوى الاجتماعية التقليدية على النفوذ، وعلى استقطاب النساء والشباب والاطفال والشخصيات الاعتبارية، متحاشية بذلك تهمة الولاء والعمالة للأجنبي .
في الحالة الفلسطينية : انتشرت منظمات (NGOS)،بتسهيل من بعض فصائل المنظمة ، ثم أصبح لقيادات هذه المنظّمات، شأناً وتأثيراً أكثر من هذه الفصائل.
تقدّم هذه المجموعات، أجندة أميركية صرفة ،خاصة فيما يتعلّق بالمرأة ، قوامها اللبرلة والعلمنة، والتحرّر من العادات الاجتماعية، والتقاليد المحلّيةوالدين ، وتبنّي ثقافة ومفاهيم المتبرّعين، لعملية السلام ،والتعايش السلمي ،وسياساتهم عموما ، بعيدا عن ثقافة النضال ومتعلّقاتها .
لا يتم اختيار الموظفين والناشطين في هذه المنظمات،بناء على شهاداتهم وخبراتهم وكفاءاتهم ، بل على سلوكياتهم المنسجمة مع المعايير الغربية، أو غير الممانعة بتملّق أي سلوك ومظهر وفكرة للجهات المانحة والترويج لها .
اكثر مفاهيم يتم التركيز عليها، لأجل غرسها في الشرائح المستهدفة : الاندماج المجتمعي ،وثقافة التسامح بين الشعوب ،والتركيز على الأبعاد الإنسانية والحداثية ، وإيلاء قضايا المرأة، والديمقراطية، والتعايش السلمي ،ونبذ العنف ،والتعصّب القومي والوطني والديني كل اهتمام ، ونبذ كل ما يدعو لكراهية الشعوب والدول، بذريعة مسمّيات مثل : الوطن والارض والتحرير والدين والتقاليد.
شكّلت الرواتب المغرية جدا بالدولار، وسائر الحوافز والسفريات لامريكا واوروبا والفنادق الفخمة،والسيارات الفارهة، والأطعمة الفاخرة ،والمشروبات (الروحية) المجّانية، والحديث بالإنجليزية بفك معوج ،والسهرات ،والحفلات الإباحية ، شكّلت عوامل جذب للمزيد من الناشطين المتعطّشين، لنمط حياة بورجوازي ،طالما افتقدوه ورغبوا به ، فإذا علمت أن نفقات الجهات المانحة لنحو ٢٤٠٠ منظمة(NGOS) في أراضي السلطة تبلغ ٣ مليار دولار(أكثر بكثير من ميزانية السلطة نفسها)،تدرك حجم المغريات،التي سلخت بضعة آلاف من النشطاء عن همّهم الوطني، وألحقتهم ثقافيا وسلوكيا وسياسيا ،بالجهات المموّلة .
ابرز ما يميّز العاملين في هذا القطاع، هو الفساد عموماً، وأكثره الفساد المالي ،إذ إن الرواتب العالية، التي يتقاضاها الموظف المحلّي والآخر الأجنبي، لا تُذْكَر إزاء ما يتم اختلاسه، بالاتفاق بين المشغّلين والمشتغلين على مشاريع وهمية ،نسمع عنها ولا نراها .
*كاتب فلسطيني
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)