مقالات

تأصيل في دعاوى الأفراد ضد جماعتهم

ساري عُرابي*

في المشكلات التي تحصل في الجماعات، فإنّني أرى الانطلاق من أحقية الفرد، في المشكلات الشخصية بأبعادها المتعدّدة، كالشكوى من التهميش، أو استئثار الآخرين، أو ضعف في عدالة توزيع المواقع والموارد، وما يتصل بذلك، فإنّ الفرد واحد، ضعيف مقابل الكثرة، صوت مقابل عشرات أو مئات الأصوات ،التي قد تتواطأ عليه قصدًا أو ضمنًا، فإن شركاء العمل، الذين يلتقون بكثرة يطمئنون ضمنًا إلى رواية شريكهم دون البعيد صاحب الشكوى، وقد تعلّمنا أن الكبير يسع الصغير، والكثير يحتوي القليل، والجمّال يوسع باب داره، وقبل ذلك نصّ النبي صلّى الله عليه وسلم، أن الخطأ وارد على صاحب الأمر، ولو كان نبيًّا في القضاء بين الناس، وأنّ الشخص قد يُقضى عليه لا لانتفاء أحقّيته، بل لضعفه في إيراد حجته، وإذا كان الضعف قد يأتي من جهة اللغة وترتيب الأدلة وتزيينها، “لعل بعضكم ألحن بحجته من بعض”، فإنه قد يأتي من ضعف الموقع، وقلة النصير، وسلبية القوم، وضيق السبيل دون النصير.
وهذا الانطلاق من أحقية الفرد، أمر فرضي، إلى حين ثبوت عكسه، أي ليس حكمًا قبليًّا، والغاية منه، بسط كلّ سبيل، حتى لا يُظلم أحد لقلّته، أو وحدته، أو ضعفه في إيراد حجته.
ونصرة الفرد، نصرة للجماعة، فالظلم عاقبته معروفة، وما يقوم على طلب الحق يجدر به أن يسعى إليه في كل أمر، وكثير من انحرافات الأفراد الفكرية والسلوكية، منشؤه التفاعل العنيف مع الإحساس بالظلم، وليس الكل يملك من الورع والعقل ما يعقل به ثورة نفسه.
وأما في القضايا العامة، ذات الطبيعة الخاصة، مثل أسرار المقاومة، فهي ليست من النوع الذي يقدّم فيه ادّعاء الفرد، إلا في حال واحد، وهو إذا شاع فساد المجموع وعلم ضرورة، ولكن إذا كان العلم خلاف ذلك، والتجربة تفيد بصلاح المجموع في هذه الحيثية تحديدا، وإذا كانت الغلبة ممن يكافئ الفرد خبرة وتجربة، أو يزيد عليه يخالفونه في دعواه، وإذا كانت حقيقة دعواه أنهم يخربون بيوتهم بأيديهم، مما يقتضي لا الإهمال فحسب، بل السفه والجنون، فإنّه لا معنى لافتراض صدقه سلفًا في حال كهذا، وإن كان لا بد من فحص كل دعوى، فالدعوى في حدّ ذاتها، ليست دليلاً ولا حقيقة ولا برهانًا.
وهذا ليس أمرًا مطرّدا ،فقد يحصل إهمال في موقع دون آخر، وإنما العبرة بما يعلم عن الحال، وما تفيده التجربة، وهذا هو المقصود في قوله تعالى: “لَولا إِذ سَمِعتُموهُ ظَنَّ المُؤمِنونَ وَالمُؤمِناتُ بِأَنفُسِهِم خَيرًا وَقالوا هذا إِفكٌ مُبينٌ”، فالدافع لنقد الدعوى العامة في أمر ذي طبيعة خاصة، ليس العصبية الحزبية، ولا تقديس الهيئات، وإنما معرفة الحال بما تناقضه الدعوى، وإلا فلست، بفضل الله، ممن يبالغ في تعظيم هيئة حدّ نفي احتمال الخطأ عنها، وآرائي الفكرية والسياسية المخالفة معروفة، وربما تدفع بعضهم لأن يحمل عليّ.
وينبغي أن يعلم، أن الدعوى لا يُسَلّم بها بمجرد عرضها على الناس، وهو أمر تقرّر في خير الناس وخير القرون، فما بالك بمن هم دونهم: “يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِن جاءَكُم فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنوا أَن تُصيبوا قَومًا بِجَهالَةٍ فَتُصبِحوا عَلى ما فَعَلتُم نادِمينَ”، وفي قراءة “فتثبتوا”، فلا شيء يُسلّم له، والحال هذه، بغض النظر عن صاحبه.

*كاتب وباحث فلسطيني

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق