مقالات

نظام السعودية إذ يجدّد هجمته على الإخوان

لمى خاطر*

لعلّنا لن نضيف جديدًا، إن أعدنا التذكير بدوافع تلك الحرب المادية والمعنوية، التي يشنّها النظام السعودي، ومعه نظام الإمارات، على جماعة الإخوان المسلمين، وهي حرب بدت في أوضح تجلّياتها،تبلور النتائج الأوّلية للربيع العربي، حين كانت الجماعة في قلب الحراك الجماهيري الميداني، ثم حين بدا أن نتيجة أية انتخابات نزيهة في العالم العربي سترجّح كفتها، أو على الأقل ستمنحها ثقلً،ا يتيح لها المساهمة في التغيير، ويحول دون استئصالها،في حال بقيت ممثّلة في النظم السياسية المختلفة، فكان لا بدّ أن يكرّس النظامان مالًا وجهدًا ووقتًا بلا حساب ،لإرساء دعائم حركة الثورة المضادة، التي ما تزال بلدان كثيرة تعاني من ويلاتها.
بالنسبة للنظام السعودي تحديدًا، فقد فطن إلى فاعلية تلك القوة، التي تمثّلها جماعة الإخوان المسلمين،حين رأى حراكها الميداني والشعبي، وتصوّراتها وبرامجها الانتخابية، واستعداداتها لترجمتها، وسرعة التحامها مع الشارع، في حال أتيح لها العمل في ظروف من الحرية والاستقرار، فكان لا بدّ أن يستشعر خطر الجماعة بصفتها قوة إسلامية، يخشى أن تنازع نظام آل سعود مكانته خارجيًا، أو تتمدّد أفكارها داخل حدود مملكته، هذا على الرغم من أنه لم يسبق أن مسّت الجماعة المملكة بخطر، حتى مع وجود كوادر إخوانية من بلدان عديدة فوق أراضي السعودية فيما مضى، لكنهم كانوا بلا نشاط تنظيمي في المملكة ،التي يسود فيها الفكر السلفي التقليدي، ولم يظهر أي مؤشّر على تطلّع الإخوان للتأثير السياسي داخل المملكة.
واليوم،وبعد نتائج الانتخابات الأمريكية، وقبلها حملة المقاطعة للمنتجات الفرنسية،على خلفية الإساءة الفرنسية لمقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي الحملة التي اتّهم إعلام السعودية والإمارات الإخوان بالوقوف خلفها، ومع تصاعد قوة الدور التركي في ملفات عديدة في المنطقة، يعود النظام السعودي عبر أدواته المختلفة ليسعّر حربه على جماعة الإخوان، ولم يكتف بما تبثّه المنصّات الشهيرة التابعة له من برامج وأعمال درامية، وبنشاط اللجان الإلكترونية، بل وصل الأمر إلى حمل ما يسمّى بهيئة كبار العلماء في المملكة ،على مهاجمة الجماعة والتقرير بأنّها إرهابية وساعية للسلطة، ولا تمثّل الإسلام ،ولا تهتم بالعقيدة الصحيحة، مع تحذير من الانتماء لها، أو إبداء التعاطف معها، ويضاف إلى كلُ هذا،تخصيص خطبة الجمعة الأخيرة، في مساجد المملكة لمهاجمة الجماعة، ثم ظهور أصوات تطالب بمعاقبة جميع الأئمة الذين لم يلتزموا بهذا التوجّه في خطبهم.
التشكيك في عقيدة جماعة الإخوان، وادّعاء بُعدها عن الإسلام، يبدو مهمًّا لمملكة آل سعود، وهي التي تقدِّم نفسها عبر خطاب فقهائها، بأنّها الوكيل الحصري لتفسير الإسلام وتمثيله، وفي مجتمع بلاد الحرمين الذي يسوده التدين عمومًا، يرى النظام أن المباعدة بين المجتمع وأفكار الجماعة تلزمها مهاجمتها من بوّابة الدين، عبر التشكيك بفهمها وسلوكها، والتقرير -اعتباطًا- بأنها إنّما تتستّر بالدين لتنفيذ أهدافها، وهو ادّعاء بات من الركاكة والسفاهة بحيث لا يجد له سوقًا، إلا بين ذوي الأفهام الضحلة، والمفلسين سياسيًا ودينيًا وفكريا.
تبدو المملكة في سياساتها الهوجاء، وفي تجديد حملاتها العبثية، وفي نوعية أولوياتها، كمن فقد اتجاه البوصلة تماما، إذ ما معنى اعتنائها لهذه الدرجة بمهاجمة جماعة منهكة تنظيميًا على مستوى الأمة، وتعوزها أدوات السيطرة، بفعل آلة القمع التي طالتها في بلدان حضورها الأساسية؟!
ولا ندري إن كان النظام السعودي وحلفاؤه في الحرب على جماعة الإخوان يعون أن حملاتهم هذه،إنما تُبقي فكرة الإخوان حيّة، لأن كثيرين في العالمين العربي والإسلامي على خلاف عميق مع سياسات آل سعود الخارجية والداخلية، ومثل هذا العداء السافر لجماعة الإخوان، قد يدفع كلّ هؤلاء لإبداء التقدير للجماعة، ويدفع من لا يعرفها إلى التعرّف على أفكارها، وإلى رؤيتها بغير المنظار الذي تحمله أنظمة السعودية والإمارات ومصر.
لا جديد في دعاية هذه الأنظمة ضد الإخوان، فكل الادعاءات والاتّهامات بحق الجماعة، يعاد اجترارها مع كل حملة، حتى صارت مثارًا للتندر والاستخفاف، ولعلّ الجديد يكمن في كثافة استغلال المؤسسات والمنابر الدينية في المملكة السعودية للهجوم المباشر على الجماعة والتشكيك في عقيدتها، وجعلها مسؤولة عن نشوء جميع الحركات المتطرفة المبثوثة في العالم، فيما يبدو أنها محاولة يائسة لكي يتنصّل الفقه السعودي من مسؤوليته عن الأفكار المتطرفة التي نشأت في تربته، وغذّاها على مدار عقود.

*إعلامية وكاتبة فلسطينية

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق