مقالات

القرضاوي وجحود المؤسّسات الدينيّة تجاهه

بقلم : د. محمّد خازر المجالي

أتألّم كثيرا حين أعلم أن شيخا بوزن يوسف القرضاوي، يمنحه الملكُ وسامَ الاستقلال، وكان عضوا فاعلا في مؤسسة آل البيت، أن لا تنعاه أية مؤسسة دينية رسمية في الأردن.
وأتألّم أيضا حين لا تنعاه مؤسسته التي تخرّج منها (الأزهر)،ولا شيخ الأزهر الذي نعى قبل أسابيع ملكة بريطانيا، ويمسك لسانه أو قلمه عن أي كلمة في حق القرضاوي.
أتألّم لعلمي بالتحوّل الكبير الذي جرى هنا وهناك، حيث تم تصنيف ما سمّوه (الإسلام السياسي) ضمن قوائم التطرّف، وما علم هؤلاء أنهم بهذا التصرّف يصنعون التطرّف والكراهية، ويُحدثون شرخا في صف جماعة المسلمين.
وأتألّم أكثر حين أجد بعض أفراد الجماعات أو الاتّجاهات المسلمة، يحاكمون الآخرين على أي هفوة، ولا ينظر أحدهم في تصرفاته، جريء على نقد الآخرين، بل تبديعهم وربما إخراجهم من الملة.
توقّعت من تجمعات إسلامية أن تنعى الشيخ،فهؤلاء الذين يعلّمون الناس التزكية والفقه والدعوة،ومَن أشبعونا كلاما عن التزام السنة وارتقاء الروح، فنجد هؤلاء موَجَّهين حتى في الإمساك عن نعي شيخ بذل حياته في سبيل الله، ولا تكاد تخلو مكتبةٌ من كتبه، وربما تتلمذ هؤلاء على كتبه يوما ما…
وأتألّم أيضا من تصرّف أولئك الشامتين، سبحان الله، وكأنهم لن يموتوا، وكأنهم كاملون!! مَن قال إن الشيخ القرضاوي أو أي شخص على وجه الأرض قديما وحديثا (سوى الأنبياء) معصوم!؟ …هو يعترف بأخطائه ولا يتردّد في إعلان ذلك، ولكنه سوء الأدب الذي تربّى عليه هؤلاء.
قرأت خلال الأيام الماضية بعض المقالات والتعليقات وشاهدت بعض المقاطع، لعلمانيين وليبراليين وطائفيين، يغلب عليهم كرههم للدين الإسلامي، فالتقى هؤلاء مع متعصّبي بعض الجماعات الإسلامية، ويا للعجب، التقوا في الشماتة وإظهار الكراهية للشيخ الذي نعاه وحزن عليه معظم مسلمي العالم.
لا يضرُّ الشيخَ مثلُ هؤلاء المساكين وتصرفاتهم وجرأتهم، فضررهم على أنفسهم، والناس يعرفون الحقيقة.
هناك صورتان لي مع القرضاوي في بيت والد الأخ موسى الساكت عام 2010 تقريبا، وقد أهداني كتاب (الحلال والحرام)وكتب لي إهداءً، وكنت قد تشرّفت بلقائه من قبل في الإمارات عدة مرات،بعد أن التقيته أول مرة في بريطانيا في مؤتمر جمعية الطلبة المسلمين في مانشستر آخر عام 1990، حين ذهبت لدراسة الدكتوراة.
كان همّ الشيخ الأول هو الأمة الإسلامية، ووحدتها، حتى إنه كان من ضمن الذين سعوا في التقريب بين السنة والشيعة، إلى أن أعلنها صريحة أنه أمضى مدة طويلة من الحوارات دون جدوى، وتبرّأ ممّن يسبّون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها العلماء والدعاة، انتبهوا لأولوياتكم، دعوا التعصّب والتمسوا لإخوانكم ألف عذر فيما ذهبوا إليه من اجتهاد أو رأي، ما دمنا نحقّق أركان الإيمان وأركان الإسلام، فلننتبه لما هو خطر علينا جميعا، أعداؤنا يتربّصون بنا، هم والشيطان سواء في سعيهم لتفريقنا وإشغالنا في سفاسف الأمور، فلنردّ كيدهم بالتزامنا وتعاوننا وأخوّتنا، أو على الأقل عدم إيذاء بعضنا، فما تَرَكنا صلى الله عليه وسلم إلا وقد أعلن أن دماءنا وأعراضَنا وأموالنا علينا حرام، كحرمة يومهم ذاك في بلدهم ذاك في شهرهم ذاك.
أيها العلماء: كونوا قدوة، اثبتوا على الحق، جرّدوا ولاءكم من أي شيء واجعلوه خالصا لله ورسوله والمؤمنين، ولا يغرنّكم عِظم التحديات ولا هول المغريات، الثباتَ الثبات حتى الممات.
(واللهُ غالبٌ على أمره، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون)

  • عميد كليّة الشريعة في الجامعة الأردنيّة- سابقا-
  • (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق