مقالات

حماس واستراتيجية العلاقات السياسية

د.رمضان عمر

إن ميدان العمل غيرُ ميدان القول ؛ والتجارب تصقل المواهب؛ ولكل شيء فقهه ومنطقه وأد والسياسة علم وفن ورؤية وحنكة ؛ لها أهلها ولها ساحاتها؛ وما كان لعمرو بن العاص ،ولا لمعاوية بن ابي سفيان، ان يسميّا دهاة العرب لورع في كليهما ؛ بل لما تمتّعا به من حنكة وعظيم معرفة
والعالم الإسلامي اليوم ،يعيش حالة من التمزّق والانهزامية، لا تسرّ صديقا، ولا تغيظ عدوا ؛ فالأمة الواحدة، غدت أمما وطوائف شتى، والنكبة الفلسطينية توالدت نكبات، وفرّخت مصائب؛ بقدر عدد الدول الاقليمية المنفسخة عن جذع الخلافة ،عبر عصر كامل من عصور التبعية والجهل والاستعمار..تابع.
والعالم العربي كله بلا استثناء، يعيش احتلالات شتى ؛ إما مباشرة أو بالوكالة ؛ وثورات الربيع العربي تترنّح منهكة ،تحت ضربات الثورات المضادة . في هذا البحر اللجيّ المتلاطم، تدير حركة المقاومة حماس معركتها مع عدو غاصب خبيث، يقف العالم كله في ظهره ؛ بينما تحاصر الحركة من القريب قبل البعيد،ولكنها تبحر بين هذه الصخور ،وسهام الغدر تراشقها من كل حدب وصوب؛ عبر استراتيجية تناهت لها، بعد تجربة،وأقرّتها بعد سنوات ؛ هذه الاستراتيجية هي وحدها القادرة على الإجابة عن اسئلة هذه المقالة، إجابة موضوعية واضحة .
فيما يتعلّق بالمصالحة، تدرك حماس أنّها أمّ الولد والممثّل الشرعي الحقيقي للقضية الفلسطينية ؛ وأن فلسطين قضية أمّة ،وأن القيادة الحالية التي سلبت الشعب طموحه، وصادرت آماله ، وذهبت به إلى مزاريب التنسيق الإمني، قيادة طارئة لا تمثّل الشعب الفلسطيني، وليست هي الطرف الآخر في معادلته ؛ولكنها تدرك أيضا، أن المحافظة على النسيج الاجتماعي، ومنع تمرير مخطّطات الاحتلال تشكّل ضمانا واقعيا لتمكين المقاومة من دورها ،وهي تؤمن – أيضا – ان ظروفا أحسن، ستجبر هذه القيادة الطارئة على مغادرة الساحة السياسية،والرحيل إلى مزابل التاريخ عندها، سيعودالشعب إلى حاضنته الحقيقية لتسير به إلى النصر . تلك هي فلسفة الحركة في الإصرار على المصالحة.
العلاقات الحمساوية الايرانية: حماس، لم تعلن أنها تقف مع أي طرف سوري ،سواء أكان من الثوار، ام من النظام ؛ ولم تبد رايا صريحا يجرّها إلى مناكفات،لن تساعدها في استراتيجياتها السياسية،لكنها أعلنت بشكل صريح وعام، انها مع مطالب الشعوب العادلة، وضد الدكتاتوريات، وسياسات تكميم الأفواه ،والتدخّلات الأجنبية ،وهذا موقف يفهم ضمنا،أنه دعم للثورة السورية. تراجعت العلاقات الحمساوية الإيرانية،مع بدء الثورة السورية، وخروج القيادة السياسية لحماس من سورية مع بداية الثورة، ولكنها عادت مع بدايات ،2018 وتطوّرات عبر تصريحات وزيارات، كشفت عنها حماس.
الناظر لطبيعة السياسة الخارجية لحماس، يدرك أن لهااستراتيجية واضحة في ذلك؛ بأن لا مانع لدى الحركة من فتح أي علاقات تخدم القضية الفلسطينية ،وتصبّ في مصلحة المقاومة، ما دام هذا الطرف، ليس إسرائيليا.ووفق قراءة الحركة،فإن استئناف العلاقات مع إيران ،في ظل انغلاق الأفق والدعم العربي والعالمي، يشكّل بديلا وشريان حياة،لغزة المحاصرة،ثم إن هذا الدعم لا يتعارض قطعا مع ثوابت الحركة واستراتيجياتها .ومن هنا ،فلا مانع من تبنّيه، ولا علاقة له قطعا بموقف الحركة من الثورة السورية.
بعد الانقلاب الأمني، على الشرعية المنتخبة عام 2006 ،جاء ك العالم كله إلى فلسطين لإعادة ترتيب أوراق السلطة ،لتتحوّل إلى قوة لها مهمة واحدة ، هي التنسيق الأمني، والقضاء على القوة المقاومة في الضفة؛ وقد نجحت سياسات فيّاض-عبّاس ،في تصفية التنظيم الحمساوي،وتفكيك خلايا المقاومة،وكان على حماس أن تعيدقراءة المشهد،وتتراجع إلى الوراء،ومع الربيع العربي ،أعيدت النشوة للمقاومة ، إلاّأن تراجع ثورات الربيع العربي،قلّل منفرص عودة المقاومة في الضفة .
مازالت حماس تحاول، عبر عمليات فردية،او عمليات متفرّقة ،على بث روح الأمل في المقاومة ،لكنها تواجه مشكلة تتمثّل في التنسيق الأمني المفشل لجهودها ولكن حماس تدرك أيضا ، أن معركتها مع المحتل ،طويلة مصيرية ،ولذا هي تحاول ان تناور في مجالات المصالحة، وهي تعلم ان الشعب سينحاز لها مع أول إنفراجة قادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق