مقالات

أكذوبة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين

علي سعادة*

لم ألمس حتى اللحظة، ثمة قواسم مشتركة تربط بين “جماعات” الإخوان المسلمين المنتشرة في نحو 72 دولة حول العالم، حسب إحصاءات الجماعة، والإحصاءات الأمريكية تقول في 70 دولة.
ولا تربط بين هذه الجماعات ،سوى الأسس النظرية، التي قامت عليها الجماعة ،على يد مؤسّسها الشيخ حسن البنا، أما المواقف السياسية ،فيما يتعلّق بالقضايا الداخلية، فإن كل جماعة سارت في دروب متفرّقة ومتباعدة أحيانا، وتجاوزت ما يمكن وصفه بالخطوط الحمر.
وعلى سبيل المثال،فقد دخل “الحزب الإسلامي العراقي” ،في اللعبة السياسية العراقية ،بعد سقوط بغداد عام 2003، رغم أنهم تبنّوا الموقف المناهض لاحتلال العراق، إلا أنهم كانوا ضمن مؤسّسي العملية السياسية ،وشاركوا بكتابة الدستور، كما أن 4 رؤساء لدورات مختلفة لمجلس النواب من “الإخوان”.
وشارك الحزب في مجلس الحكم بالعراق، والحكومة المؤقّتة بعد الغزو الأميركي 2003 م،والإطاحة بصدام حسين، وانسحب من الحكومة، بعد أحداث الفلوجة الأولى عام 2003، وقاطع الانتخابات.
وأيضا نجد أن “حزب العدالة والتنمية” ،الذي يتولّى قيادة الائتلاف الحكومي ،برئاسة سعدالدين العثماني، يوقّع اتفاق التطبيع بين المغرب والاحتلال الإسرائيلي، وهو ما أثار غضب “إخوان فلسطين” ممثّلين بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ،الذين اعتبروا توقيع العثماني “خذلان كبير”،وتابعت “حماس” كنا نأمل منه اتخاذ موقف تاريخي مشرف”. رغم أن الحزب حاول أن يبعد نفسه عن توقيع العثماني.
وفيما نجد الإخوان مطاردين في الإمارات والسعودية ومصر، نجد البحرين تشركهم في العملية السياسية، عبر “جمعية المنبر الإسلامي” ،التي يوجد لها ممثّلين في البرلمان وفي الحكومة، وكذلك في الأردن ،حيث يوجد لهم ممثّلين في البرلمان، رغم العلاقة المتوتّرة وغير المستقرة بين الدولة الأردنية و “إخوان الأردن”.وهم موجودين بشكل رسمي في ليبيا والجزائر والسودان ولبنان واليمن والكويت.
وحتى لا أقفز من فوق الحقائق ،فإن النظام الأساسي للإخوان، الذي وضع عام 1982والنظام المعدّل عام 1994، منح قيادة الأقطار صلاحية وضع لائحة تنظيمية خاصة بها، على ألا تتعارض مع النظام الأساسي للجماعة.
ومنحها حق التصرف بحرية كاملة ،ثم إعلام مكتب الإرشاد العام، في أول فرصة ممكنة ،أو في التقرير السنوي ،الذي يرفعه المراقب العام فيما يلي: كل ما يتعلّق بخطة الجماعة في القطر ،ونشاط أقسامها ونمو تنظيمها. والمواقف السياسية في القضايا المحلية والتي لا تؤثّر على الجماعة في قُطر آخر ،شريطة الالتزام بالمواقف العامة للجماعة،والوسائل المشروعة التي يعتمدها القُطر، لتحقيق أهداف الجماعة ومبادئها على ضوء أوضاعه وظروفه.
ونحن نعرف أن تمويل الإخوان ذاتي، بمعنى أن الإخوان يعتمدون على أعضاء الجماعة كمصدر وحيد لتمويل الأنشطة المختلفة التي يمارسها الإخوان، كما أن بعض الأنشطة التي يمارسها الإخوان، تموّل نفسها ذاتيا، مثل :المستشفيات الخيرية ،ودور الرعاية، التي تقدّم خدماتها ،نظير رسوم الخدمة.
وفي ندوة بجامعة ديلاوير الأمريكية ،قال البروفيسور فواز جرجس أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية والمتخصّص في شؤون الشرق الأوسط ،بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن :”إن جماعة الإخوان المسلمين، التي تمثّل حاليا الإسلاميين المعتدلين، هي الجماعة الأوفر حظا بالفوز بنسبة لا تقل عن 25% إلى 30% ،ليس من أصوات المصريين فحسب، وإنّما جميع المسلمين البالغ عددهم أكثر من 1.3 مليار؛ إذا ما دخل الإخوان في الدول العربية والإسلامية أية انتخابات حرة ونزيهة.”
إن التباين الكبير والواضح في مواقف الإخوان المسلمين في الدول العربية، يشير إلى عدم وجود رابط دولي أو خارجي بين هذه الجماعات، وبأن كل جماعة تتصرّف وفقا لظروفها المحلية الخاصة ،دون الرجوع إلى أية جهة أخرى، وربّما تكون الجماعة، قد تفكّكت بعد الضربات العنيفة جدا التي وجّهت للجماعة الأم في مصر، بعد الانقلاب العسكري على الرئيس المصري محمد مرسي، وربما لعب اعتقال أو موت معظم قيادات الجماعة في مصر ،دورا في تفكّك القيادة المركزية للإخوان وانكماشهم نحو القضايا الوطنية والمحلية، على حساب القضايا الكبرى، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
كل ذلك ممكن، لكن من الواضح أن ما يسمّى “التنظيم العالمي للإخوان” ،هو ضرب من الوهم من أجل تشويه سمعة الإخوان، وإثارة مخاوف الحكومات من الجماعة، وقدرتها على قلب الميزان السياسي، وهي مخاوف غير واقعية ،بسبب أن حجم الإخوان لن يتجاوز في أفضل التقديرات ،هامش 35% من الناخبين.
كانت قوة الإخوان دائما وأبدا،هي في التنظيم الجيد ،والتزام الأعضاء بتعليمات القيادة ،وفي تقديم الخدمات ،والمساعدات الخيرية ،والخطاب الديني إلى جانب النزاهة والنظافة المالية.

لكن الإخوان الآن يعانون الكثير، بسبب القمع غير المسبوق، والذي وصل إلى حد التصفية الجسدية لمعظم قيادتهم ،إضافة إلى أخطاء تنظيمية ،وعدم مرونتهم في استغلال الظروف، وإقصائهم من مكامن قوتهم ،وأقصد الخطاب الديني والعمل الخيري.

*كاتب أردني

(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق