مقالات

محمد دحلان … و العبث بالساحة الأردنية

عدنان الروسان*
براغماتي ، متسلّق من الطراز الرفيع،فهم لعبة الأنظمة العربية مبكُرا،ولم تنطل عليه شعارات القيادات الفلسطينية،والقيادات العربية،و دفعه طموحه الجامح، كي يقترب من دوائر صنع القرار ،و غامر بالكثير كي يضمن له مقعدا، و لو في الصف الثاني أو الثالث ،كي يتمكّن من القفز الى الصفوف الأولى في الوقت المناسب…يمكن أن يعقر أعز اصدقائه، كما يقول مقرّبون منه،و يمكن أن يتناسى عداواته بلحظة واحدة، إذا كان له مصلحة بذلك .أثار طموحه وشجاعته في مخاطبة قيادات السلطة الفلسطينية،وقيادات فتح ،بلهجة قوية تصل في بعض الأحيان إلى مرحلة الخروج عن المألوف،تلقّفته الأجهزة الأمنية المصرية مبكّرا، بعد أن أوصى جهاز الموساد المستوى السياسي الإسرائيلي، بعدم الوقوف في وجه طموح الرجل .
لقد قام بعمليات اعتقال و تخويف في قطاع غزة،حينما كان المسؤول الأمني الأول هناك، قبل القطيعة بين سلطة ابو مازن ومحمد دحلان، الذي أصبح له تيارا قويا نسبيا، و لقدتفاجأت حركة فتح و قيادات السلطة بقوة حماس في القطاع، بعد أن كان محمد دحلان، قد أكّد لهم أن حماس لا تستطيع أن تفعل شيئا ،وأن فتح هي التي تسيطر على كل شيء،و خرج محمد دحلان من القطاع،وصار يتردّد على مصر التي فتحت له خطوطا مع بعض الدول الخليجية،كما أن علاقاته مع الأردن كانت جيدة،وإن كانت الأجهزة الأمنية قد تمنّت عليه أن تبقى علاقاته بها سرية، و أن لا يتوسّع في نشاطاته على الساحة الأردنية ،لحساسية الموقف الأردني، و علاقاتها مع السلطة الفلسطينية وإسرائيل .
باختصار شديد، تمكّن محمد دحلان،من نسج علاقات متفاوتة الأهمية،مع أربعة أجهزة أمنيّة مختلفة في اسرائيل،ومصر ،والأردن، و بلد رابع كان يعمل على حمايته من الأجهزة الأخرى، فيما لو انقلب أحدها عليه، و صار يعمل في الساحة الخليجية لرغبة مصر ايضا، أن لا تبقى علاقاتها مع السلطة الفلسطينية متوتّرة، بسب العداء المستحكم بين دحلان و عباس.وقد تمكّن دحلان علنا من تدمير صورة عباس لدى قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني، بعد أن كشف عن سرقات له من الصناديق الفلسطينية، وكان دحلان شاهدا عليها، وأهمّها تسليم مليار دولار لعباس،كانت موجودة في مكتب عرفات بعد وفاته.
استيلاء حماس على كل الملفّات الاستخبارية لفتح و دحلان في غزة،والحصول على صور و افلام فيديو و محادثات ووثائق خطيرة،جعل السلطة الفلسطينية تتحرّك بقوة،وتطلب من مصر وقطر ،أن تضغط على حماس، حتى لا تنشر مابين يديها من أسرار خطيرة،تتعلّق بأبي مازن وقيادات للسلطة. و يبدو أن حماس وافقت لأسباب تتعلّق بضرورات الأمن الوطني والقومي الفلسطيني للقطاع تحديدا.
كثْف محمد دحلان نشاطاته على الساحة الأردنية في الأوساط الإعلامية، وفي المجال الاقتصادي. و يعرف بعض المطّلعين على خفايا النشاط الإقتصادي لدحلان، أنه شريك و مموّل لكثير من المؤسسات الاقتصادية، وبعض المراكز التجارية، وهو على علاقة وثيقة مع بعض الأشخاص و المؤسسات المالية، و يقوم بدور العرّاب لعمليات غسيل أموال،و تجارة التهريب بين بعض الدول الأفريقية و أوروبا،عبر طائرات تحمل الصفة الدبلوماسيةومملوكة لشيوخ مهمّين في الخليج ،كما أن محمد دحلان تمكّن من نسج علاقات قوية مع بعض الصحافيين و الإعلاميين و الناشرين الأردنيين،ومع سياسيين و برلمانيين سابقين،وهم يستفيدون من هذه العلاقة، كما يضمن هو أن يكون له لوبي أردني،يساعده في النفاذ و الانتشار على الساحة الأردنية، التي تعدّ الساحة الأهم للقيادات الفلسطينية للفصائل و التيارات المختلفة.
لن نتحدّث اليوم عند دحلان علاقاته مع إسرائيل، وتفاصيل العلاقة مع المخابرات المصرية، والتي كلّفته بعمليات لا علاقة لها بفلسطين،ولن نتحدّث عن الخدمات التي قدمها لزعماء عرب وتهريب اسلحة،وعلاقاته بمحمد رشيد،وبمدير الصندوق القومي الفلسطيني و غيرهم . مايهمنا اليوم هو الانتشار الأفقي لمحمد دحلان في الأوساط الاقتصادية والمالية و الإعلامية الأردنية، و هناك لقاءات و اجتماعات تتم بسريّة، و دون أن تلفت الأنظار، وذلك لتوريط الأردن في قضايا تخدم مصالح دول خليجية وإسرائيل، و هو يريد ان يضمن موقعا له في الأردن، لأنه يطمح -و قد وعد-بذلك ،أن يكون خليفة عباس في رام الله، وحينها سوف ترفع كل التابوهات عن ماتبقى من القضية الفلسطينية.
القيادات السياسية و الميدانية لحركة فتح، تعرف لعبة دحلان ،وتعي أبعادها، و لكنها تقف موقف المتفرّج، لأنها كانت محكومة بالفيتو السياسي الأعلى للسلطة، غير أن قيادات فتح من الصفيّن الثاني والثالث، بدأت بالتململ، وهي تريد اقترابا أكثر من حركتي حماس و الجهاد، و باتوا يؤمنون بمواقف حركة حماس، اكثر مما يصدّقون مواقف قيادة أبومازن .
سنتحدّث في وقت آخر، عن أبعاد ما يقوم به دحلان في الأردن، و إن كان الأمر على الصعيد القانوني ممكنا، فسوف نذكر بعض أسماء رجالات دحلان في الأردن، من تجار و صحافيين و اعلاميين و سياسيين سابقين و مؤسسات مالية، والذين يعملون تحت إمرته، مقابل مبالغ مالية كبيرة، تصرف على بعضهم و وعود للبعض الأخر ، بإدخالهم إلى دوائر رجال المال و الأعمال في الخليج .إنّها لعبة كبيرهم فيها حجر شطرنج في ايدي اربعة أجهزة أمن، ومن حقنا أن نخشى على الأردن من دحلان،الذي ضحى بفلسطين من أجل طموحاته، أفلا يضحّي بالأردن؟!

*كاتب أردني

(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق