قطبي العربي*
منذ بضعة أيّام، حصلت تجربة مهمُة جدا في بوليفيا،تستحق الاهتمام، لشعب استطاع تجاوز انقلاب دموي ،قام به الجيش وأحزاب اليمين المتطرّف في البلاد قبل عام.
تناولنا في موقع (الاستقلال) ،التفاصيل في تقرير أعددناه، عن التجربة البوليفية منذ الانقلاب العسكري،وحتى عقد الانتخابات الرئاسية،وفوز حزب الحركة نحو الاشتراكية (الذي تم الانقلاب عليه سابقا) في بوليفيا بفارق كبير.
* قبل عام من الآن تقريبا، وتحديدا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، كان على البوليفيين الاختيار بين أمرين،كلاهما “مر” إمّا المقاومة، أو الرضوخ للحكم العسكري، ودفع ثمن ذلك من استقلالهم الوطني وحريتهم.
* على مدار عام كامل، اختار الشعب البوليفي الصمود ومناهضة الانقلاب العسكري ،حتى نجح أخيرا في تحقيق إرادته، وإزالة آثار الانقلاب، بانتخاب حكومة معبّرة عنه.
* تجلّت مأساة الانقلاب العسكري،عندما أسقط الجيش واليمين المتطرف، وبدعم من الولايات المتحدة،حكم الرئيس السابق إيفو موراليس، ونكّلوا بأنصاره وداعميه بطريقة دموية، وكبحوا الديمقراطية وعطّلوا مؤسٌسات الدولة.
* قال حينها أعضاء حزب الحركة الاشتراكية البوليفي: إن “المسؤولين عن قتل الناس ورميهم على جنبات الطرق سينالون عقابهم لأن يوم الحساب قريب”.
* في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، خرج أنصار لويس آرس، مرشح حزب الحركة الاشتراكية في الانتخابات الرئاسية، إلى الشوارع احتفالا بفوزه الحاسم من الجولة الأولى،وحصوله على أكثر من 52% من الأصوات،مقابل حصول منافسه الرئيس المدعوم من الجيش والأحزاب اليمينية كارلوس ميسا على 31.5%.
تفاصيل الانقلاب
* بعد معركة انتخابية شرسة، انتهت بفوز الرئيس البوليفي (حينئذ) إيفو موراليس، انطلقت احتجاجات كبيرة من أحزاب اليمين مدعومين ببعض الأجهزة الأمنية والعسكرية، وفي 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، استقال موراليس من منصبه، في أعقاب مطالبة الجيش له بترك المنصب، حفاظا على استقرار البلاد.
* وقتها، حذُر موراليس من أن الديمقراطية في بوليفيا، تواجه انقلابا تقوم به مجموعات عنيفة تنتهك النظام الدستوري،وحث الشعب على الدفاع عن الديمقراطية، وقال: “إننا ندين أمام المجتمع الدولي هذا الهجوم على سيادة القانون”.
* وتزامن مع تلك الأحداث،هجمات مسلّحة انتقامية من عناصر اليمين المتطرف،على مقرات الحركة الاشتراكية، وعلى منازل المزارعين من عائلة وجيران موراليس.
* تم إطلاق النار على المتظاهرين المدافعين عن الديمقراطية في مدينة إل ألتو، بالإضافة إلى أنه تم اعتقال مناصري حزب موراليس، الحركة نحو الاشتراكية، من بيوتهم، فيما قام أفراد الشرطة الملثّمون باستعراض المسؤولين أمام الكاميرات،وتم نشر الجيش في الشوارع.
* كما تم تخريب البيت الرئاسي لموراليس وحرق بيت أخته، بالإضافة إلى عمل قوات الأمن مع العصابات اليمينية لاعتقال مؤيّديه من المناطق الفقيرة في مدن بوليفيا”.
* ومن أبشع ما ذكر عن الانقلاب، حالة باتريشا آرسي، عمدة منطقة فينتو في مدينة كوتشامبابا، التي تعدّ قلب التأييد لحزب الحركة الاشتراكية، حيث قامت العصابات الانقلابية باعتقالها، وحلق شعرها، ورشّها بالصبغ الأحمر، وهو لون اليمين في بوليفيا،وأجبروها على المشي حافية في شوارع فينتو، وأن تركع ،وتطلب العفو لتأييدها لموراليس..
إلى أن جاء التدخُل المباشر للجيش، ليشكّل الخطوة الأخيرة من الانقلاب،وأرغمت قيادة الجيش موراليس على ترك البلاد ،وتم نقله بالفعل إلى المكسيك كلاجئ سياسي.
* منذ ذلك الحين ،انتفض الشعب البوليفي، بشكل يومي في شوارع العاصمة لاباز وغيرها، من المدن للمطالبة بوقف الانقلاب العسكري، وعودة الديمقراطية الموؤودة مرة أخرى.
* وبعد الانقلاب مباشرة، نظْم البوليفيون صفوفهم،وعلى الفور تحرّك مئات الآلاف من فقراء الآلتو (المدينة المتاخمة للعاصمة لاباز، وهي معقل الفقراء من السكان الأصليين) بمظاهرات صاخبة للمطالبة بعودة موراليس ووقف الانقلاب العسكري.
* وقتها، تضامنت المكسيك مع الشعب البوليفي بقوة، وقال وزير الخارجية المكسيكي مارسيلو إبرارد: إن بلاده تعتبر ما جرى “انقلابا، لأن الجيش طلب استقالة الرئيس ،ويمثّل ذلك انتهاكا للنظام الدستوري للبلاد”.
* وأضاف إبرارد في مؤتمر صحفي ،وإلى جانبه الرئيس المكسيكي اليساري المخضرم أندريس مانويل لوبيز أوبرادور: أن “المكسيك لن تقبل حكومة ذات طابع عسكري في بوليفيا، وأوضح أن بلاده ستواصل الاعتراف بموراليس رئيسا شرعيا”.
* ومع استمرار الاضطرابات والمظاهرات، أصبح واضحا أمام الحكومة المدعومة من الانقلاب، أن الاستمرار في الحكم، وسط غليان شعبي داخلي، بمثابة الانتحار، وهو ما أجبرهم على التعاطي مع ملف الانتخابات والتداول السلمي للسلطة بواقعية سياسية.
* بعد ذلك، تجلّت أهم تفاصيل المشهد مع انعقاد الانتخابات الرئاسية، وفوز حزب الحركة الاشتراكية، وعودة أولئك الذين تم الانقلاب عليهم، ونكّل بهم، برؤية متقدّمة ومختلفة عبّر عنها الرئيس المنتخب لويس آرس في أول خطاب ألقاه بعد الفوز.
بعد الانتصار، وصف الرئيس البوليفي الجديد الأمر بأنه بمثابة”بعودة الكرامة والسيادة إلى بوليفيا”.
*كاتب مصري
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)
زر الذهاب إلى الأعلى