مقالات

الثورة المضادة


أنس رصرص*
يراد بالمصطلح،حركة الالتفاف على الثورة من قبل مراكز القوى المهيمنة في بلد ما ،وهي تحالف قوى الامن والجيش ورجال العهد القديم، الذي اسقطته الثورة مع اللوبيات الاقتصادية ، بغرض ابطال مفعول الثورة،واستعادة القرار ،والنفوذ، ومكتسبات السلطة القديمة السياسية والاقتصادية، التي سادت قبل الثورة .
كان اول ظهور للمصطلح عقب الثورة الفرنسية ،لكن سجّل المؤرّخون ثورات مضادة، ترجع إلى عهد اسبارطة مع كليمونس الثالث .
حاول ملك فرنسا لويس السادس عشر ،استرداد سلطته التي فقدها مع الثورة الفرنسية مدعوما من طبقة النبلاء وضبْطه وجنوده الموالين له ،ورجال الكنيسة الكاثوليكية مدعومين من بابا روما ومن ملكيات اوروبا باعلان (بلنتيز )،الذي قضى ببطلان الثورة وعودة الملكية، لكن لم ينتظر الثوار التحرّك الاوروبي، فأعدموا الملك وزوجته بالمقصلة سنة ١٧٩٣م .
عَرَفَتْ قبل ذلك،كل من بريطانيا وأمريكا الثورة المضادة ،وكذا أسبانيا ابان الحرب الاهلية والصين في الصراع بين القوات الموالية لحزب الكومنتانغ والشيوعيين، وفي روسيا بين البلاشفة والمناشفة …
لا تختلف الثورات المضادة للربيع العربي عن مثيلاتها في بلدان العالم الاخرى ، اذ تبقى أنظمة الاستبداد ومن يتحالف معها من طبقات سياسية وامنية وعسكرية ومافيات المال، هي العدو الأبرز لمطالب الشعوب بالحرية والعدالة والكرامة،ويضاف إليها في الحالة العربية،ما يفاقم مشكلة الشعوب وهو :خشية الدول العظمى من تغيير جوهري للنظام الرسمي العربي، يهدّد مصالح الغرب الاستيراتيجية والثروات والنفط والمعابر والمضائق والأسواق، وبالدرجة الأولى أمن وسلامة إسرائيل، لذلك أعطت الضوء الاخضر للثورات المضادة، للاستقواء بدول وقوى من الخارج وتمويل خليجي لسحق الثورات ببشاعة،كانت ستستدعي في حالات أخرى مشابهة تدخّلا عسكريا أمريكيا غربيا،لو لم تكن هذه الدول غلافا لإسرائيل ، مثل غزو العراق وافغانستان وصربيا وكوريا وفيتنام والصومال وغيرها …
لطالما استخدمت الثورات المضادة عربيةوأعجمية، كل وسيلة لاسترداد السلطة،أو استمرار المحافظة عليها، مثل إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والجهوية والعرقية، وتخويف الأقليّات من الأكثرية، وتحريض الأغنياء على الفقراء، ومذابح جماعية للمدنيين، وترحيل السكان، وإجراء تغيير ديموغرافي عليهم ،وسحب الجنسيات لإحداث ( التجانس السكاني)،فضلا عن القوة الغاشمة لإبادة (الثورة مع حاضنتها) أو تفكيكها.
لكن وان طال الزمان، فان المستقبل للشعوب ، هي الباقية،والطغيان زائل ، وفي التاريخ شاهد ودليل.

*كاتب فلسطيني

(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق