لمى خاطر*
يعلّل الرئيس الفرنسي،وسواه من أركان السلطة الفرنسية حملتهم ضد الإسلام ،بأنّها موجّهة لخطاب التطرف لا الإسلام ديانةً، على الرغم من أن جميع ما صدر عنهم من تصريحات وإجراءات على الأرض ،يقول عكس ذلك، أي أن المستهدف هو الإسلام دينًا، وإلا فلماذا التركيز على استهداف رموزه الأسمى، وعلى رأسها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، والإصرار على ذلك، رغم كل ما أفرزه هذا الاستهداف من استفزاز لمشاعر المسلمين على مستوى العالم، وردود فعل غاضبة، وإن ظلّت شعبية في أكثرها حتى الآن؟!
هذه الرواية الرثّة –أي ادعاء أن الحملة ضد التطرف- ما كانت لتصمد لو لم تجد من يدعمها أو “يتفهّمها” على مستوى حكومات ونخب عربية، وهي تدّعي أيضًا، أن فرنسا محقّة في حملتها تلك، غاضة الطرف عن السياسات العملية الخطيرة ،التي باتت تطبّقها فرنسا على الأرض،كإغلاق المساجد،والمراكز ،والجمعيات الإسلامية،والتضييق على المسلمين، واستحداث القوانين الطاردة لهم، غير أن النكاية بالإسلاميين تحجب الرؤية عن عيون مساندي فرنسا في العالم العربي من حكومات ونخب، حتى وصل بهم الأمر إلى تصوير الحملات الشعبية المناهضة للهجمة الفرنسية على الإسلام،أنّها حملات إخوانية،وبذلك يجب الحدّ منها ومهاجمتها لا الانضواء إليها !
بالعودة إلى الهجمة الفرنسية على الإسلام، فسواء كان سبب هذا السعار الفرنسي، غايات انتخابية رخيصة لماكرون ،تقتضي منه استمالة اليمين في بلاده،أم كان السبب يتسع صادرًا عن منشأ الذعر من تزايد أعداد المسلمين في فرنسا،وخشية الأخيرة على توازنات الهوية فيها، إذ يظهر أنها معنية بأن تظلّ قيم الجمهورية علمانية خالصة، متطرّفة في (نقائها) وانسلاخها من المعاني الدينية، مهما كان السبب الأساسي لتلك الهجمة، فإن فرنسا بمستوياتها الرسمية، تبدو منذ مدة تدير حملة ممنهجة طويلة الأمد ضد الإسلام، وليست موسمية أو آنية، ولا ردّ فعل على حادثة قتل المدرس الفرنسي،الذي أساء للنبي (صلوات الله عليه)، على يد شاب شيشاني مسلم لاجئ في فرنسا، فهذه الحادثة الأخيرة كانت مجرد شمّاعة علق عليها، وعلّل بها بعض المهووسين بالحضارة الغربية الإساءات الفرنسية للإسلام وما تلاها،رغم أن تصريحات ماكرون ضد الإسلام سابقة للحادثة، ومثلها سياسات الحكومة الفرنسية ضد المساجد والمراكز الإسلامية هناك.
والنتيجة، أن فرنسا التي يسوّغ لها بعض المتنكّرين لذواتهم حربها على الإسلام ،بحجة أنها حرب على الغلو والتطرف، هي مسؤولة عن صياغة هذا الخطاب العالي من الكراهية وإشاعته عبر سياساتها العنصرية، القديمة والجديدة، وما تمارسه من ازدواجية وتعيشه من تناقض مهول بين شعاراتها البرّاقة عن الحرية، وسياساتها القمعية ضد الإسلام حصرًا،وإتاحتها ازدراءه برعاية رسمية، في حين الحرية مكفولة لكل أشكال الرذائل السلوكية والفكرية، وبين ظهرانينا المسلمين من يصفق لهذا التطرف القبيح ،ويراه جديرًا بالمحاكاة على أمل التخّص من الغلو (الإسلامي) وإشاعة التسامح!
إن الإسلام – دينًا – لا يُرى من زاوية دين آخر، ولا من منظار كاره له أو ضائق بأحكامه، الإسلام دينًا يُفترض أن يحترم وحسب، خاصة في أوساط المنظومات التي تقدّم نفسها منارة لرعاية حرية التعبير واحترام المختلِف ،وتعزيز التسامح الديني، لكن الحقيقة الاستعمارية العنصرية، والتطرّف العلماني لدولة مثل فرنسا ،لا بدّ أن تمزّق أقنعة شعاراتها الزائفة، مثلما أن شعارات التسامح، ونبذ الغلو ،وإدانة العنف ،التي تروّج لها منظومات الاستبداد في عالمنا العربي، تهوي بها سياساتها الدموية والقمعية العنيفة ضد كل مخالف أو معارض.
ولنا أن نتخيّل، بعد كل هذا طبيعة البيئة المشحونة بالكراهية، وفي أي تربة ينمو الغلو، وكيف يُترجم إلى أفعال، وقد رعاه كل هؤلاء الطغاة، من أمثال حكام فرنسا ومشايعيهم في كل مكان، ممن يتحدثون بلسان يناقض فعلهم، أو يرمون سواهم بدائهم، وما استحكم فيهم من نزعات دموية وعنصرية.
*إعلامية وكاتبة فلسطينية
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)