د.سعيد الحاج*
حديث بوتين عن التزام روسيا بمسؤولياتها، تجاه أرمينيا، مع استدراك أن “الاشتباكات لا تدور على أراضيها” ،يذكّرني بموقف الناتو من تركيا، وقت إسقاط المقاتلة الروسية في 2015، حين قال مسؤولوه ما معناه: إن الحلف ملتزم بالمادة الخامسة من ميثاق الحلف – الدفاع الجماعي ،إلى جانب أي عضو يتعرض لاعتداء – مع استدراك أن تركيا “لم تتعرّض لهجوم”.
في الحالتين ،الطرف الأقوى (روسيا/الناتو) ،يرسل رسالة ضغط للطرف الأضعف، او بالأحرى يعاقبه على شيء ما.
في حالة أرمينيا،هناك تخوّفات وتوجّسات روسية من القيادة الجديدة ،التي أتت على هامش “ثورة”، ومسار تقاربها مع الغرب،ورفضها بعض المطالب الروسية …الخ. لا يعني ذلك أن موسكو تريد هزيمة ساحقة ليريفان،لكنها تريد “تأديبها”، بحيث تتأكّد الأخيرة،أن حليفها الرئيس هو روسيا ،وليس الغرب/الولايات المتحدة،وتعود للحضن الروسي أكثر، وتكتفي بالأسلحة الروسية، وتتوقّف عن مسار التقارب مع الغرب…الخ.
كل ذلك، يفسّر الموقف الروسي المتمايز عن المواجهات السابقة نسبياً، والتي تتحدّث فيها موسكو عن ضرورة وقف إطلاق النار،لكنها تتحدّث كذلك عن ضرورة عودة “الأراضي الأذربيجانية المحتلة”، وصولاً لغلق بوتين سمّاعة الهاتف في وجه رئيس وزراء أرمينيا وفق ما ورد. ومن يدرك التوازنات في القوقاز ، وفي أوراسيا عموماً، يعرف أن الموقف الروسي، هو أكثر العوامل الضاغطة على أرمينيا، أكثر من أذربيجان وتركيا ربّما،وهو ما يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً في المعادلة.
بهذا المعنى،فأرمينيا بلا سند حقيقي في هذه المواجهة، وما لم تغيّر موسكو موقفها لسبب ما، فإنها محكومة بالخسارة، سواء أكانت خسارة كاملة أم جزئية، بمعنى انسحبت من كامل الأراضي الأذربيجانية، أم اضطّرت للجلوس للحوار في ظل التقدّم الأذري.
الصراعات المحلية المدعومة بقوى إقليمية ودولية ،محكومة عادة بمواقف هذه الدول ،وفق توازناتها ومصالحها هي، أكثر مما هي محكومة بتوازنات القوة المحلية.
*كاتب فلسطيني