محمد خير موسى*
ليسَ من الإنصاف في شيءٍ، تقييم برنامجٍ كاملٍ،من حلقةٍ واحدة، وإعلان الحكم النّهائيّ عليه، ولكنّ الحلقة الأولى،تعطي انطباعات ورسائل مهمّة ،ينبغي التعامل معها بجديّة ،وعدم تجاهلها، ولذا سأضع بعض النّقاط على عجل، بعد أن شاهدت الحلقة الأولى من البرنامج الذي حظي بحشدٍ إعلاميّ، لم يشهده غيره من البرامج:
أولًا: فكرة البرنامج فكرةٌ رائدةٌ ومتميّزة ،وهي فكرةٌ قديمةٌ، لكنّها لم تشهد النّور إلّا اليوم، بسبب ظروف موضوعية كبيرة:.
وهنا أذكّر بفكرة “برلمان الشّباب” ،التي طرحها وباشر تنفيذها في دمشق ،الأستاذ الدّكتور يحيى العريضي Yahya Alaridi عام 1998م ،وكان حينها على رأس قسم اللغة الإنكليزيّة في كليّة الآداب،في جامعة دمشق ،ومدير القناة الثّانية في التّلفزيون السّوري ،وقد حاول الإفادة من عمليّة تعويم بشّار الأسد في الواقع السّياسيّ السوريّ في أواخر حياة حافظ الأسد ،وادّعاؤه الاهتمام بالشّباب والانفتاح عليهم، وكانت فكرة الدّكتور تقوم على اختيار شباب على عدد أعضاء مجلس الشّعب ،يجتمعون تحت قبّة مجلس الشّعب ،ويناقشون القضايا الشبابيّة في سوريا، ويبثّ البرنامج عبر التّلفزيون السّوري.
وتخطّت عمليّة تشكيل البرلمان ،المرحلة الأولى ،التي تمّ فيها اختيار من سيخضعون لمقابلة واختبار الظّهور الإعلاميّ ،والكفاءة السّياسيّة والفكريّة، وقد كنت ممّن تجاوز المرحلة الأولى،وكنت حينها طالبًا في السّنة الثّانية في الجامعة.
دخلتُ على الدّكتور العريضي في مكتبه، في قسم اللّغة الإنكليزيّة، فرحّب بي ترحيبًا بالغ اللّطف ،وحين سألته ،عن موعد المرحلة الثّانية من برلمان الشّباب قال لي بانكسار ،ما زلت أذكره إلى اليوم: المخابرات منعوه؛ بشّار كذّاب
ووئدت يومها فكرةُ برلمان الشباب، وأنا أذكر الحادثة في سياق الحديث عن برلمان شعيب لبيان أمرين اثنين:
أنّ الفكرة قديمة، وليست سبقًا أو اكتشافًا للقائمين على برنامج برلمان شعيب
ولبيان أهميّة الفكرة، وأنّها حلم قديمٌ، وقد غدت أكثر أهميّةً عقب الرّبيع العربي، وتعاظم القضايا وتشابك الجراح.
وقد شعرتُ ببالغ السّعادة، حين سمعت فكرة البرنامج ،وزادت سعادتي، حين شهدت شيئًا من الحملة الإعلاميّة المرافقة ،ورفع سقف التّوقّعات؛ ولكن ولدَ الجنينُ خداجًا
ثانيًا: كان المأمول، اعتماد آليّات اختيار تفرز الشباب ،الذي يمثّّل نبض الشّارع الشبابيّ حقًا، غير أنّ ما طالعتنا به الحلقة الأول، أنّ الذين أفرزتهم آليّات الاختيار، هم حالات افتراضيّة لها حضورها في مواقع التواصل الاجتماعيّ، ممّا جعل البرلمان أقرب إلى الافتراضيّ البعيد عن الواقع، ممّا جعله شبيهًا من هذه الجهة بالبرلمانات التي تفرزها آليّات الاختيار في بلادنا المنكوبة بالطّغاة.
ثالثًا: حتّى من حيث العدد، فإنّ المشهد في الحلقة الأولى يوحي باجتماع لجمعيّة شبابيّة في دورة تدريبيّة ،وليس مشهد برلمان!!
رابعًا: أظهرت الحلقة الأولى، مدى الوهم الذي تصنعه السوشال ميديا من خلال صناعة رموز افتراضيين ،سرعان ما يتبخّرون فور معاينتهم للواقع ومشاكلَتِهم للوقائع بطريقة مباشرة.
خامسًا: الطّفوليّة ،التي شهدتها الحلقة، لا شأن لها بالتّلقائيّة، فقد كنّا دون مبالغة في مشهد لا يختلف عن مشهد انتخابات عريف الصّف في المدارس الابتدائيّة، لكن مع استخدام التّقنيّات الرّقميّة التي لم تفلح في تجميل بؤس المشهد.
سادسًا: السّطحيّة التي تجلّت في مشاهد عديدة تؤكّد أن هذه الشريحة،ليست هي التي تحمل همّ قضايا شباب بلاد الرّبيع العربي؛ فتخيّلوا أنّ يكون إصرار الشّابة التي فازت بمنصب نائب الرئيس على الفوز نابعًا من وصيّة أبيها لها ،بأن ترجع ومعها عريس، أو ترجع ومعها الفوز بمنصب نائب الرّئيس ،فوجدت الحصول على نيابة الرّئيس أسهل من العريس!!
سابعًا: بعض الذين أتوا لتمثيل قضايا مجمع عليها، مثل قضيّة فلسطين، كانوا عنوان الإساءة لهذه القضايا، من خلال سوء التصرّف والنرجسيّة الممزوجة بالسّطحيّة، فإن كان هؤلاء سيمثّلون قضايانا العادلة ،فعلى قضايانا السّلام.
ثامنًا: يستحقّ الشباب العربيّ ممثّلين لهم أكثر عمقًا، وأكثر كفاءة ،وأعظم اتزانًا؛ وما أكثرهم في واقعنا، وتستحقّ قضايانا شبابًا ناطقين باسمها ومنافحين عنها، أبعد عن النرجسيّة والولدنة من ثلّة ممن رأيناهم، وتستحقّ التجربة الديمقراطيّة شبابًا أكثر وعيًا لتجسيدها، وتقديم نموذجها لشباب بلادنا التّواق لمن يمثّلهم بحقّ وصدق.
*كاتب وباحث فلسطيني
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)