مقالات

التطبيع والجيوش العربية

الأستاذ الدكتور جمال أبوحسّان*
التطبيع ،هو إقامة علاقاتٍ طبيعيةٍ بين المُطبِّعين، وهذا الأمر يجوز أن يكونَ بين المسلمين، وبين كل العالَم ،الذي لا يعاديهم، أو يحتل أرضَهم، أو يضَيِّق عليهم، وأمّا ما كان خلافَ ذلك ،فلا أظن أحدًا من المسلمين، يقول بجوازه، سواء أكان عالِمًا أو جاهلًا،ولاسيّما وقد فُتِح البابُ لأهل الجهل، يُظهِرون آراءَهم ،كما نراه في وسائل التواصل؛ فلا وجهَ اليومَ للبحث عن هذا الفعل الشائن، أهو حلال أم حرام؟ لأن في ذلك مضيعةً للوقت ،وهدرًا للكرامات.
ولا شك أن التطبيع مع اليهود، نوعٌ ظاهر من مظاهر الذلة والخنوع للأعداء، ولا يقبله مَن في قلبه ذرةٌ من كرامةٍ، والله تعالى يأمرنا بقوله: {ولا تَهِنوا ولا تَحزَنوا وأنتم الأعلَونَ إن كنتم مؤمنين} [آل عمران:139]، فضلًا عن مخالفته الصريحة الواضحة وضوحَ الشمس ،أمرَ الله تعالى القائل: {إنما ينهاكُمُ اللهُ عن الذين قاتَلوكم في الدِّين وأخرجوكم من دياركم وظاهَرُوا على إخراجِكم أن تَوَلَّوهُم ومَن يتوَلَّهم فأولئك هُمُ الظالمون} [الممتحنة:9]، ولا شك لدى كلِّ مسلمٍ موحّد، أن هذه الآيةَ تنطبقُ تمامَ الانطباقِ ،على اليهود المحتلين لفلسطين؛ ولهذا لا ينبغي لأهل العلم والدِّين، أن يضَيِّعوا أوقاتَهم في الكتابة حول: جوازِ هذا الفعل من عدمه؟ بل ينبغي أن تُشَدَّ الأحزمةُ لمواجهة جديدةٍ ومن نوعٍ آخرَ، بخلاف المواجهات التي مارسوها منذ إقصاء الخلافة الإسلامية.
وقبل الحديث عن تلك المواجهة ،ربما يكثر في المسلمين اليومَ ،بعد هذه الأحداث المتسارعة الكاشفة السؤال عن موقفَ الجيوش العربية تحديدًا من هذا الأمر؟
وأحب أن أبينَ أمرًا ليس خفيًّا عن المثَقَّفين الواعين،لكن في كثير من الأحيان، تَشُدُّنا العاطفة لنتجاهلَ هذا الوعي، وهذا الأمر هو أن الجيوشَ العربيةَ في جميع الدول العربية دون استثناءٍ، لم يكن تأسيسُها من أجل حمايةِ الأوطان أو حياطتِها، وإنّما الهدفُ الحقيقي من تأسيسها ،هو حمايةُ الأنظمة المستَبِدّة، هذا هو الأساس من إيجاد منظومات الجيوش العربية، وخُذُوا مثالًا واضحًا لا يخفى على أحدٍ، فالجيشُ العراقي، كان في زمن الرئيس صدام أقوى جيشٍ عربيٍّ ،وفي عداد الجيوش القوية عالميًّا، ولكن هذا الجيشَ بمجرد أن حصل مع الرئيس صدام ما حصل تبَخَّر، وكأن العراقَ لم يكن فيها أيُّ جيشٍ، وهذا الجيش اليمني، الذي كان مع الرئيس اليمني، فما أن قُتِل حتى انهارَ، وصار فِرَقًا وأحزابًا، وكأنه لم يكن جيشًا نظاميًّا،ولذلك لا يمكن التعويلُ على الجيوش العربية لتحرير فلسطين مطلقًا، أو تعليقُ الأمل عليها؛ لأن هذا ليس من العقائد العسكرية العربية،ولا ينبغي للمسلمين في ظل هذه الأوضاع التي نعيشها ،أن يضيعوا أوقاتَهم بالأماني الخادعة!
وإن انزلاقَ كثيرٍ من الأنظمة العربية للمسارعة في تحقيق أمانيِّ الصهاينةِ من التطبيع معهم، وفتح البلدان العربية لهم بهذه الطريقة، التي لم يَحلَموا بها سابقًا، لن يسمحَ بالطبع للجيوش بأن تنحازَ للشعوب.
وسترون غدًا تضييقَ البلدان العربية بأبنائها ،لتصبحَ مرتعًا خصبًا لأبناء الصهاينة، ولن تتخيّلوا أن يوقفَ صهيونيٌّ واحدٌ في المطارات العربية غدًا، كما يوقَفُ أبناؤنا العرب،وإن حصل هذا،فسيكون نوعًا جديدًا وضربًا من ضروب الذلة والمهانة ،التي لم يُسبَق للعرب بعد الإسلام أن وقعوا فيها؛ وبناءً على هذا:
1- فلا يجوز لأهل العلم، أن يقضوا أوقاتَهم بتعليق الأماني على الحكام، الذين انسَلَخوا عن تحرير فلسطين،وأخرجوها من أجنداتهم في الحياة.
2- ولا يجوز لأهل العلم ،أن يقضوا أوقاتَهم بتعليق الأماني في الجيوش العربية والتعويل عليها في تحرير فلسطين، وإن كان ثَمّة تعويلٌ على الجنود، فليس ذلك باعتبارهم ضمن العسكرية العربية، ففي الجيوش العربية من الجنود من أهل الخير،لكن ليس بأيديهم شيءٌ يعوّل عليه.
3- وكذلك لا يجوز لأهل العلم مطلقًا أن يفكروا مجردَ تفكيرٍ بأن المنظمات الدولية يمكن أن تَرُدّ لهم حقًّا مهما كان صغيرًا، وأن هذه المنظماتِ ما كان وجودُها في الأصل إلا مشبوهًا وتشرعن لكل احتلالٍ غاشمٍ،ما يجعل التعويل عليها، كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ ما يفرض على الأمة إيجادَ منظماتٍ توازيها قوةً وتأثيرًا، وليس هذا من نسج الخيال، فإن ثلثَ الـ ٥٨ دولة إسلامية اليوم، تستطيع أن تفعل أضعافَ ذلك؛ فما بالُها مجتمِعةً!
4- وعلى أهل العلم، أن يوطّنوا أنفسَهم للمواجهة القادمة، المتمثّلة في الظلم والعَسف والتضييق، وكل ما يخطر وما لا يخطر على البال، وأن عليهم أن يعيدوا أمجادَ الصابرين والشهداء في الواقع العملي.

5- وكذا عليهم، أن يوطّنوا أنفسَهم على العمل الجاد والدؤوب، بفضح هذه المؤامرات بين الناس في مجتمعاتهم ونواديهم وأماكن عملهم، نشرًا للوعي ويَقَظَتِه، وأن لا يبقى عملُ العلماءِ مقصورًا على الجلوس في البيوت أو الجامعات، ينتظرون قدومَ الناس عليهم، ويجب أن تتغيّر وسائلُ إيصالِ الأفكار إلى الناس، والاقتصارُ على وسائل التواصل هو ضربٌ من قصور الهمم وخَوَرِ العزائم!
6- وأيضًا يجب أن يُحكِمَ العلماء بناءَ الشعوب بناءً صحيحًا، من حيث العقيدة والإيمان واللغة والعمل فإن هذه من أهم ما ينبغي أن ينالَ شغلَهم في الأيام القادمة.
7- وأخيرًا، فإن الاشتغالَ بأي شيءٍ بعيدٍ عن الدِّين ،إنما هو مضيعةٌ للوقت، وإهمالٌ للواجب.
فاللهم إنا نبرأ إليك مما فعله المفسِدون ومَن أعانهم على ما فعلوه!

*أستاذ أكاديمي من الأردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق