مقالات

الانتخابات النيابية، من الإصرار على موعدها وحتى إعلان نتائجها

د. عبادة العلي*

قراءة سياسية في مخرجات المجلس وسياقات
لقد دخل الأردن، أو أدخل مرحلة من الارتباك السياسي، منذ القرار بإجراء الانتخابات في موعدها، هذا القرار كان هروبا من الأزمة السياسية، التي خيّمت على المملكة، بعد حلّ نقابة المعلمين، وعبّر عن ذلك بوضوح، الإعلان الذي تزامن مع ردّات الفعل بالتظاهر على حلّ النقابة، ولا يبالغ من يقول، إن القرار بحد ذاته،لم يكن خاليا من الحمولات السياسية.
هل يعني أن المجلس تقزّم ليصبح مجرّد ردّة فعل؟!
ليس بالضرورة،فالإعلان شيء،ومضمون الإعلان شيء آخر، وما كان من تزامن مع حلّ النقابة من ا”لإعلان”، هدفه خلق انطباع محلّي ، والأهم “خارجي” للحلفاء والداعمين، أن الأردن لم يتراجع عن “المسيرة الديمقراطية”، وإنّما هي مجرّد “انتكاسة” على طريق الديمقراطية الشاق.
أما المضمون، وهو ذات الانتخابات،فله سياقان أشمل وأوسع، محلّي وخارجي، أما السياق الخارجي، فالكلام فيه يطول، ولن أتناوله هنا لضيق المقام ،ولكن لا يمكن تجاوز فكرة المساعدات والمنح والقروض المرتبطة بإجراء الانتخابات، وشكل الدولة الديمقراطية المطلوب في محيط معاد للديمقراطية.
أما السياق المحلي، فيمكن ملاحظة الآتي؛
١- لا بد من التخلّص، من عدد لا بأس به من النواب الحاليين، سواء من رجال الدولة،الذين قرّر النظام السياسي “إنهاء خدماتهم” ،وأبرزهم :رئيس المجلس عاطف الطراونة، وعدد من النواب الذين تجاوزوا الخطوط الحمر، وأبرزهم “غازي الهواملة”، وعدد من النواب الذين شكّلوا حالة ولو صوتية مزعجة، وأبرزهم “صداح الحباشنة”،ومن لف لفه.
٢- وبناء على النقطة الأولى،فإن المجلس قد تمّت هندسته مسبقا، للتخلّص من العديد من النواب الثقيلين القلائل ،لصالح طبقة نيابية جديدة خفيفة، فالمجلس سيرأسه نائب لا يتمتّع بخبرات عاطف الطراونة،وعليه سيأتي رئيس جديد من العيار الخفيف،و في مثل هذه الحال، فلن يكون هناك متّسع لقامة ثقيلة، بحجم د.عبدالله العكايلة، الذي وصلته الرسالة مباشرة وصراحة بخطورة الترشّح ،ووصلت رسالة لداعميه في حزب الجبهة بخطورة ترشيحه، ثم أصرّ فجاءته الرسالة قاسية من خلال الضغط عليه بابنه، ثم كان النهاية بخسارته للانتخابات.
٣- وعلى ذلك، فلا غرابة من رؤية حوالي ١٠٠ نائب جديد في المجلس، فهذه مرحلة جديدة ،تحتاج أن تنتزع الخبرات فيها ،من مراكز الثقل الدستورية (مجلس النواب والحكومة)،لصالح مراكز الثقل غير الدستورية.
٤- هناك تجريف لكل أشكال الحياة السياسية،لم يسلم منها، حتى رجال الدولة من البيروقراط ،الذي أثبت جدارته بإدارة مرحلة الربيع العربي ،والخروج منها بأقل الخسائر، وأثبت تشكيل الحكومات المتعاقب بعد الربيع العربي بدءا من الملقي وحتى الخصاونة ذلك، لقد كان البيروقراط حصان طروادة نحو “العهد الجديد” ،أو “الأردن الجديد” ،بتعبير السفير الأمريكي “الجديد” إلى عمان.

هل تقصد أن الانتخابات مزوّرة؟!
أنا شخصيا، أستبعد التزوير المادي المباشر المتعلّق بصناديق الاقتراع “الشفّافة”،ولكن التزوير يبدأ من “قانون الانتخاب” ،الذي لا يعبّر عن الشعب، مرورا بالعمل الجاد والدؤوب، ابتداء من الإجراءات “غير الشفّافة” المتعلّقة بسحب مرشّحين، والضغط على مرشّحين، لتغيير قوائمهم، أو بناء قوائم جديدة، هذا الشكل لا يمكن أن يرصد ،أو يظهر ، لا من راصد ،ولا من الاتحاد الأوروبي، أو الهيئات الدولية، وإنّما يمكن رصده من خلال “ضمير الشعب” ،الذي قرّر ما يزيد على ٧٠٪ منه، عدم المشاركة في هذا “العرس”، فالعقد معقود،والكنافة موزّعة، أما التزوير المباشر، فانتهى منذ ٢٠٠٧، ومشرفه يقبع في السجن.
كل ذلك،مع ملاحظة أن نسبة المشاركة،التي لم تصل عتبة ال٣٠٪ ،كانت بعد جهد دؤوب،قامت به للمفارقة “أجهزة السلطة التنفيذية” لإنجاح “التجربة التشريعية”، وكان ذلك من خلال هندسة الإجماعات العشائرية،وحتى العشائر،التي نشبت بين أبنائها خلافا حول لجنة الانتخاب الداخلي كان “الحاكم الإداري” يبعث ب”لجنة مستقلة”!! إنه نموذج أردني فريد فعلا، أما القواعد الاجتماعية من غير العشائر الأردنية،فقد أغرقت بقوائم ركّزت على الأردنيين من أصل غرب أردني، وشكّلت حالات إجماع مشابهة للحالة العشائرية، بالإضافة إلى التحشيد الكبير باسم القضية الفلسطينية، مع فتاوى شرعية وطبية وبضرورة المشاركة في العرس، دون الالتفات للوضع الوبائي، وحتى تمديد الاقتراع لساعتين ،بغية تعدّي عتبة ال٣٠٪،ولكن كل ذلك لم يفلح.
سيعقد المجلس بمن حضر،كما أن الحكومة تشكّل بمن حضر، ويبدو أن المجموع السياسي مغيّب بفعل فاعل يهزأ بنا، يرسم القانون، ثم يشكّل قوائم، ويسحب مرشحين ،ويهندس إجماعات، ويفضّ أخرى، ثم يقول لنا: “هذه بضاعتكم ردّت إليكم”،ثم نبدأ بالتلاوم بين مشاركين ومقاطعين!!
الشعب الأردني كله، غير مشارك في العملية السياسية، ولا الفضاء العام، هذا ما يجب أن نعيه جميعا، بعيدا عن هوامش تحشرنا فيها السلطة، لتجدول القروض،وتجتذب المساعدات والمنح ل”أردن” ديمقراطي، وشعب يصوّرونه “متخلّفا”،لا يستطيع اختيار ممثليه.
هنا بيت القصيد وهذه المعادلة التي يجب أن يشتبك معها كل ساع للإصلاح، سواء شارك في الانتخابات أم قاطع !!

* ناشط أردني.
 * (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق