مقالات

فلسفة “شاي الغزالين”

بقلم: نارت قاخون*
نتداول نحن الأردنيّين “نكتة” تقول:
“دعا أحدهم قوماً إلى “حساء لحم”،فلمّا قدّمه إليهم،لم يكن في الحساء لحم،بل لم تكن فيه مرقة لحم! فقالوا له: أين الّلحم ومرقته في حساء الّلحم؟
فقال لهم:”وأين الغزلان في “شاي الغزالين””؟!
“شاي الغزالين” اسم لشاي معروف في الأردن، ولا أدري إن كان معروفاً في غيره من البلاد، ولكن فكرة “النّكتة” تقوم على المفارقة بين الأسماء الدّالة على صفات، وتلك الدّالة على ذوات، أو تلك الّتي تُعرف بأسماء الأعلام؛ فهذه الأسماء لا تفترض صدق العلاقة وتحقّقها بين معنى الاسم وحقيقة الاسم، فجهاز “آبل” الخلويّ ليس فيه تفّاح أخضر أو أحمر.
يستعير بعض الأردنيّين نكتة “شاي الغزالين” للتّعبير عن واقع يجدونه، ويشعرون به تجاه كثير من المشاريع والمنظومات السّياسيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة والفنّيّة الّتي يختبرونها في واقعهم.
فيجعلون – على سبيل المثال – “الباص السّريع”، و”لجنة تحديث المنظومة السّياسيّة”، و”مجلس النّواب”، و”مجلس الوزراء”، و”مهرجان جرش للثّقافة والفنون”، و”التّعليم عن بعد”، أمثلة لـ”فلسفة شاي الغزالين”؛ فهي مجرّد أسماء لا يلزم منها وعنها أن تجد فيها مِصداق معناها في الواقع إلا بقدر آمالك وأحلامك،أن تجد “غزالين” مع كلّ علبة “شاي الغزالين”!
المشكلة في الاستعارات الثّانية لنكتة “شاي الغزالين” و”حساء الّلحم”،أنّها لا تتمتّع بصلابة النّكتة نفسها؛ فعبارات مثل “حساء الّلحم”، و”حساء الفطر”، و”حساء الكوسا”، تُحيل إلى ما لا خلاف في تعريفه، فالّلحم هو الّلحم، والفطر هو الفطر، والكوسا هي الكوسا. قد نختلف في جودتها، لكن لا نختلف في تعريفها. و”شاي الغزالين” اسم تجاريّ محض، لا يتوقّع أحد وجود “غزالين” فيه إلا على سبيل النّكتة.
أمّا “التّحديث”، و”الثّقافة”، و”الفنون”، و”المنظومة السّياسيّة”، وغيرها من مثل هذه المفاهيم، فلم تعد تحيل إلى “معروف متّفق عليه”، فلا هي لحم، ولا فطر، ولا كوسا! وليست “غزالين” يُستعاران لتسمية تجاريّة، وحسب.
ولكن في سياق ما نحن فيه، أظنّ أنّ “فلسفة شاي الغزالين” ستمسي فلسفة عامّة وطامّة!
نعم، سنجد قريباً من يطالبك، بل يفرض عليك، أن تسمّي ما لا لحم ولا دجاج ولا جميد ولا لبن ولا أرزّ ولا فتيت؛ أي خبزاً، فيه “منسفاً”! ولو قلت لهم: أين “المنسف” في هذا “المنسف”؟ قالوا لك: وأين الغزلان في شاي الغزالين؟!
وبالقياس:
أين الشّعر في هذا الشّعر؟ وأين التّحديث في هذا التّحديث؟ وأين الاستثمار في هذا الاستثمار؟
وأين الثّقافة في هذه الثّقافة؟
الجواب واحد:
“وأين الغزلان في شاي الغزالين”؟!

*أستاذ جامعي أردني

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق