ضمن المفاجآت السياسية السعودية المستمرة منذ نحو 5 أعوام، تابع السعوديون، في ساعات متأخّرة من مساء اليوم الأخير من شهر آب (أغسطس) 2020، بيانات ملكية حملت تعيينات وإقالات، أبرزها الإطاحة بقائد القوات المشتركة بالمملكة.
وتصدّر اسم قائد القوات المشتركة للتحالف السعودي – الإماراتي في اليمن، الأمير فهد بن تركي بن عبد العزيز آل سعود، منصّات التواصل الاجتماعي، بعد قرار الملك السعودي إعفاءه من مهامه، وإحالته إلى التحقيق.
ولعلّ إقالة الفريق الركن فهد بن تركي آل سعود، وهو قائد قوات التحالف باليمن، يطرح تساؤلات عن أسباب تلك الإقالة، وهل لها ارتباط بالحرب الدائرة بالبلد المجاور للمملكة، أم أنّها رغبة شخصية من ولي العهد السعودي، أم هي كما نصّت ديباجة الأمر الملكي، التي قالت إنها بسبب “رصد تعاملات مالية مشبوهة”؟ .
وعقب القرار الملكي، تصدّر وسم “لن ينجو أحد من الفساد” موقع “تويتر”، بعد تبرير السلطات السعودية قرار الإعفاء بأن الأمير فهد ونجله ومسؤولين آخرين، في وزارة الدفاع متّهمون بقضايا فساد مالي.
كما احتفت وسائل الإعلام السعودية، بالقرار الملكي، الذي يؤكّد على جديّة المملكة في مكافحة الفساد، حيث وصف الصحفي السعودي سلمان الدوسري، إقالة بن تركي بأنّها نموذج لمكافحة الفساد، إذ كتب قائلا: “جميع الدول تحارب صغار الفاسدين، وتغضّ النظر عن كبارهم، قلّة من الدول مسطرتها واحدة لا تفرّق بينهم، ودولة واحدة لديها، محمد بن سلمان قال: لن ينجو أي شخص تورّط في قضية فساد، قال وفعل، وعد وأوفى، فأصبحت السعودية نموذجا للضرب بيد من حديد على الفساد وأهله”.
في المقابل، عبّر المغرّد السعودي كساب العتيبي، عن سعادته بالخبر، فقال: “ما أجمل وطني، وهو يتعافى! ما أجمله وهو يقضي على الفساد! وما أجمل رجل المرحلة وكابوس المفسدين الأمير محمد بن سلمان حفظه الله!”.
لكن بعض التحليلات، شكّكت في الرواية السعودية حول الفساد، مبرزة أهمية موقع الأمير فهد بن تركي في القوات العسكرية السعودية، ومنصبه كقائد للقوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية في اليمن.
وربطت بعض هذه التحليلات القرار، بصلة القرابة التي تجمع بين الأمير فهد مع أبناء العاهل السعودي السابق الملك عبد الله بن عبد العزيز، حيث إنه متزوّج من عبير ابنة العاهل السعودي الراحل، والتي ورثت ثروة ضخمة عن أبيها، وهي الثروة التي استطاع بن سلمان مصادرتها من شقيقيها، الأمير متعب الذي سجن في “الريتز كارلتون” أواخر عام 2017م، قبل أن يفرج عنه، والأمير تركي بن عبدالله الذي ما يزال مغيّباً حتى هذه اللحظة، بعد وفاة مدير مكتبه اللواء علي القحطاني تحت التعذيب.
فيما فسّر الحساب السعودي الشهير باسم “مجتهد” الإقالة، بتخوّف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من انقلاب الأمير فهد، إذ قال: “اعتقال فهد بن تركي قائد القوات المشتركة، بعد أن فسّر بن سلمان بعض تصرّفاته، أنها مقدّمة للانقلاب عليه، من خلال القوات التي تخضع له، ويؤيّد ذلك اعتقال ابنه نائب أمير الجوف معه ومجموعة من كبار الضباط، لن تكون هذه الأخيرة، ومن المتوقّع اعتقالات جديدة في صفوف آل سعود والعسكريين”.
فيما أشارت صحفية (التايمز) الأمريكية، إلى أن ولي العهد السعودي قام بعملية تطهير جديدة بين أبناء عمه، وعزل هذه المرة عسكريا بارزا وابنه.
وتقول الصحيفة: إن محمد بن سلمان جعل من حملات التطهير بين أبناء عمومته ملمحا لصعوده إلى السلطة، ففي حزيران (يونيو) 2017م، أطاح بابن عمه ولي العهد محمد بن نايف، وبعد ذلك قام بسجن أمراء ورجال أعمال في فندق “ريتز كارلتون”، وأجبرهم على التخلّي عن أرصدتهم. كما اعتقل عددا آخر من أبناء العائلة، وهناك حوالي ألف منهم في المعتقلات. وهناك من خدعهم بالعودة إلى المملكة أو أجبرهم على العودة ضد رغبتهم، وفي ظروف غامضة اختفوا بعد ذلك في السجن.
ويبدو أن إقالة بن تركي، تأتي ضمن الصراع داخل مراكز النفوذ في النظام السعودي، ولا علاقة لها بالفساد، أو فشل حرب اليمن، فالسلطات السعودية اعتقلت وأقالت عشرات الأمراء خلال الفترة الماضية، دون أن تشير إلى قضايا الفساد بهذا الشكل الصريح، كما أن الفساد مستشرٍ في كل الدوائر الأميرية بالحكومة السعودية أساساً، ولكن يبدو أن أبناء سلمان يريدون أن يهيّئوا أنفسهم وأولادهم بشكل أكبر، للسيطرة والهيمنة على الحكم بالمملكة.
زر الذهاب إلى الأعلى