عاممقالات

بعد أن وضعت معركة غزّة أوزارها… ملاحظات نقديّة

بقلم: شجاع الصفدي *


خرجنا أحياء جسدا ، ولا نعرف شيئا سوى أن علينا انتظار المعركة القادمة ، وبما أن جذوة القتال خبت، ربما علينا أن نقول ما كتمناه وقت أن كانت الكلمة للمقاتلين.

* مما لا شك فيه أن حركة الجهاد تم استدراجها لهذه الجولة، بتخطيط متقن ، لاصطياد قياداتها العسكرية البارزة، وحجم التحشيد المسبق، وتضخيم اعتقال السعدي وما صدر من تهديدات بعده، كان يوحي بأن هناك ما يحاك في الكواليس،لكن وللأسف لم يتحلّ القادة بأي نوع من الحرص الأمني، مما جعل عملية اغتيالهم أمرا سهلا أمام الاحتلال .

* البرج الذي اغتيل فيه القيادي تيسير الجعبري مليء بالكاميرات، ومعظمها متصل بالإنترنت ، لذلك هو مكان ساقط أمنيا بشكل كامل، والأنظار دوما مفتوحة على روّاده ، وتم التهديد بتدميره في حروب سابقة، فكيف يعقل أن يأمن قائد مطلوب بهذه المكانة الحسّاسة أن يبقى في مكان فاشل أمنيا !… وكيف يمكن لمثله رحمه الله ، أن يستخدم أي جهاز اتصال !!، وأين جهاز أمن التنظيم وخبرتهم في توفير بيوت آمنة غير معرّضة للمراقبة من الاحتلال.

* الشهيد خالد منصور، رجل ذو خبرة عسكرية وأمنيّة ليست هيّنة،وعلى الرغم من ذلك تم رصد دخوله للبيت المستهدف، حيث نشر الاحتلال فيديو من طائرة المراقبة يرصد كل حركة للأشخاص حول المكان بدقة ، والأسوأ من ذلك بقاؤه في نفس الموقع لساعات، حيث كان التصوير نهارا، والاستهداف ليلا ، فهل كان يعتقد من أشاروا بذلك المخبأ، أن يمنع الاكتظاظ الاحتلال الغاشم من تنفيذ اغتيال لقيادي بهذه الأهمية ؟!… ألا يجب استخلاص العبر، من أن هذا احتلال لا يكترث لحجم الضحايا بقدر اهتمامه بقيمة الهدف؟؟!.

* لا يمكن أن نلوم حركة الجهاد على وقف القتال غير المتكافيء،فحقن الدماء واجب وطني ، ولا شك أن خسارتنا فادحة بفقد الضحايا ، لكن التجاوب مع الهدنة ،قبل فقدان مئات الشهداء ،أهون بكثير من المكابرة والعناد والحصول على نتيجة صفرية ، والتجارب السابقة خير شاهد.

* من الملاحظ أن الجهاز الإعلامي لحركة الجهاد ، ليس لديه خبرة تحويل الصفر إلى أرقام ولو وهميّة ، ولذلك لم تكن تغطية العمل العسكري إعلاميا من أولويات الحركة، وقد يكون لهم في ذلك رؤية مغايرة لما نعتقده.

* لا يمكن أن يتساوى قائد يعيش واقعنا ،ومعرّض للموت ،وفقد أسرته مثله مثلنا كمواطنين ، بقائد يعيش في رخاء ،ويصرح بإشعال أتون الحرب، ثم يأتي ليتلو بيان نهاية المعركة !، فالفرق شاسع جدا ، لذلك لا مزاودة على قائد عاش ما عشناه ،حتى لو اختلفنا معه في عشرات المواقف أيدلوجيا وسياسيا ومنهجيا، المعارضة حقنا، لكن المصير يجمعنا ،وهذا ليس هيّنا ، لذلك فالعزاء الخالص للقيادي أبي طارق المدلل الذي فقد نجله في القصف.

* لم تشارك حماس باطلاق القذائف ، ويرى كثيرون وأنا منهم أنه أمر محمود، جنّب غزة دمارا هائلا ، لأن الأهداف المتاحة التابعة للجهاد محدودة ،وليست متغلغة في كل مكان، بينما استهداف مؤسسات وأهداف تابعة لحماس فذلك يعني أن قطاع غزة بأكمله، سيكون عرضة للقصف،بيوتا وشوارع ومؤسسات وأبراج .وحتى لو كان عدم مشاركتها في هذه الجولة عسكريا، نوع من التكتيك لصالحها وليس من الحكمة، فقد كان خيارا صائبا ، رغم اعتقادي أنها قدّمت دعما لوجستيا ليس بسيطا للمقاتلين خلال الجولة.

* لا ضير من مراجعة الذات وتصويب الأخطاء، والتفكير مليّا ،هل الصواريخ وسيلة ناجعة حقا للقصاص؟…نعم، هي وسيلة دفاعية محدودة تصنع بعض الخوف لدى العدو، لكنه عدو لديه ملاجيء وتجهيزات كافية لحمايته من سقوط قتلى في صفوفه، فهل الهلع كاف كانتقام لدماء الشهداء؟ ألهذه الدرجة يمكن للفصائل عامة أن تسترخص دمنا الفلسطيني؟

* في كل جولة قتال تخوضها الفصائل،أفكّر بالأسر التي لا تجد قوت يومها ،إذا لم يعمل رب الأسرة باليومية، الأسر التي بالكاد تتدبّر أمرها، هل هم في دائرة النسيان ؟ أولئك الذين لا يمكنهم في دقائق الذهاب لشراء مواد غذائية أساسية وتجهيز أنفسهم للصمود الإجباري المنتظر منهم، أم أن عليهم أن يموتوا جوعا ويُنسى أمرهم بعد أن تخبت النار؟.

* شعار وحدة الساحات ، ليس شعارا يعني أن تدفع غزة ثمن كل شيء يفعله الاحتلال،بل يمكن للمشاركة الوجدانية أن تكون حاضرة بقوة، بينما يقاوم كل فلسطيني حسب موقعه ضد الاحتلال، إذ ليس ضروريا أن تجعلوا غزة أسطورة بسفك دماء أطفالها، سيعيش الجميع خارج غزة البائسة بخير ويمارسون حياتهم، ولن تبكي دما سوى الثكالى والأرامل واليتامى، الذين لن يعوّضهم أحد عن مرارة الفقد .

* الوقفات من بني جلدتنا ،كانت أدنى حتى من التضامن مع أصغر القضايا ، وهذا مؤلم أمام فيض الدماء ، وبالنسبة للأشقاء العرب ، فلا شك أن شيخ الأزهر و مفتي عُمان موقفهما مشرّف ، وربما مسقط هي العاصمة العربية الوحيدة التي خرجت بها مظاهرات من أجل غزة وترفض الاحتلال!، وهذه مواقف لا تنسى .

* نأمل حقا أن تدرك الفصائل أن هجص النبوءات غير الواقع،وأن التحرير يحتاج جاهزية معنوية ومادية وليس فقط قتالية ، لذلك ربما آن الأوان بعد كل هذه الدماء أن يفكّروا مليّا بإسناد شعبهم وبناء قطاعات الاقتصاد والتعليم والصحة ، وذلك يمهّد الطريق لكل شيء لاحقا.

رحم الله شهداء غزة، وربط على قلوب ذويهم، وثبّتهم بإذنه تعالى.

– شاعر وكاتب فلسطيني.

(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق