مقالات

الذين يصدرون الأحكام بغير إحاطة أو علم بها

بقلم :أنس رصرص

رصرص الحكم على الشيء فرع عن تصوّره …هذه قاعدة إسلامية عظيمة، ابتكرها علماء الأصول والفقه ، ووظّفها من بعدهم علماء المنطق وفقهاء الدستور .
وهذه القاعدة مرتبطة بعلّة ظاهرة في النص موضوع النظر ، أو مرتبطة بما هو في حكم المنصوص عليه حال عدم وجود النص، ، لبيان الموقف من قضايا الخلاف المستشكل والنوازل وقضايا العصر ، وتلك التي يختلط فيها السياسي بالأخلاقي بالضرورة، وبالذي تتقيّد به الضرورة من ضوابط تحكمها .
وتعني القاعدة بلغة تبسيطية ، أنه لا يمكن إصدار حكم في واقعة أو مسألة ، ويكون هذا الحكم موافقاً لمقاصد الشريعة وبالغا أقصى درجات الحكمة والعدل ، ما لم يكن صادراً عن تصوّر شامل للمسألة محل النظر ، يدرك أبعادها الأخلاقية والإنسانية والتعبديّة ومنافعها ومضارها على الفرد والجماعة والدين مستوفياً آراء الخبراء في ذلك كله ، فإذا ترجّح عند اولئك كلهم جوانب المنفعة على جوانب المفسدة ، أو العكس، أصدروا حكمهم مراعين ما ترجّح لديهم .
كان ابن حزم الأندلسي عالم زمانه وفذ اقرانه ، وقد كثرت اجتهاداته حتى وضع لنفسه مذهبا فقهيا مستقلا سمُي بالمذهب الظاهري ، وكثيرا ما خالف بقية المذاهب وأبدع في اجتهاداته ، لكنه خالف في مسائل محدّدة جانب فيها الصواب ،حين افتى في قضايا لم يحط بها من جميع جوانبها ، من ذلك : مخالفته الفقهاء في مسائل الحج ، وقد ترك الفقهاء فتاواه تلك لبعدها عن الصواب ، ليس لجهل في ابن حزم ، بل لأنه لم يؤد فريضة الحج مثل سائر الفقهاء ، ولم يحط بها علما وهي فريضة عملية ، فحاججه الفقهاء بقاعدة : الحكم على الشيء فرع عن تصوّره .
قد يكون رجل ما فقيها ،لكن ليس عالما بأصول الفقه أو الفقه الدستوري أو السياسة أو علم التشريح أو الاقتصاد السياسي أو غيره من العلوم ، فاذا ابطأ عن الإحاطة بما قرّره أهل الاختصاص في نازلة أو قضية بعينها ، لم يكن أهلا للإفتاء بها، أو جاءت فتواه قاصرة عن تحقيق مناط الشرع وعلّته وعن مقاصد الدين.

  • كاتب فلسطيني.
  • (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق