مقالات

القوى التي تصدّرت الثورات العربيّة ستدفع ثمن التقارب التركي مع بعض الدول

بقلم : د.سعيد وليد الحاج

مسار التقارب بين تركيا وبعض الدول العربية (إضافة لدولة الاحتلال) ،له أسباب كثيرة تتنوّع بين الدولي والإقليمي والمحلي، لكن له دلالة كبيرة بارزة لا يمكن تجاهلها، وهو طيّ صفحة الثورات أو ما سمّي بالربيع العربي بشكل نهائي، ولذلك فالقوى التي تصدّرت في الثورات أو الربيع ستدفع الثمن، أو ستكون هي الثمن.
من جهة ثانية، فإن مسار التهدئة أو التقارب المذكور له متطلّبات أو استحقاقات أو تنازلات – سمّها ما شئت – لبناء الثقة أو لإثبات حسن النيّة أو للتفاوض. وفي العادة، فإن الدول تحاول قدر الإمكان ألا تقدّم شيئاً من رصيدها الخاص ، أي من اقتصادها أو أمنها أو مواقفها الذاتية بل من الأوراق التي تملكها أو تملك تأثيراً عليها، ولذلك فإن هذه الأطراف المذكورة مرشّحة أكثر لأن تكون في قلب هذه الاستحقاقات أو المتطلّبات.
من الزاويتين السابقتين (ويمكن إضافة زوايا أخرى أقل أهمية لهما)، يمكن القول إن القوى المذكورة ممن تعدّها الأنظمة العربية والإقليمية خصوماً لها ،دفعت وتدفع وستدفع الثمن أو ستكون هي الثمن، وسيرتفع هذا الثمن كلّما/إذا ما تعمّق مسار التقارب،وكان أقرب لأن يصل لنتائج متقدمة ومرْضية للأطراف المختلفة. هذه القوى هي التي “حتحاسب على المشاريب” بالتعبير المصري العامّي، حتى تلك التي تظنّ أنها خارج هذا الإطار وهذه الحسابات.
يتحوّل هؤلاء من “مهاجرين” في حضن إخوانهم الأنصار، ومن “ضيوف” و”أشقاء” و”نجونا من الانقلاب بفضل دعائهم” في فترات سابقة ، إلى “مستضعفين” و”مضطهدين” فتحت لهم الأبواب وأحسن إليهم في فترات أخرى، ثم إلى “عبء” طال زمنه وأتى وقت رميه عن الكواهل لتسريع الانطلاقات الجديدة.
هذا أمر مفهوم من السياسة بالضرورة، وله سوابق وشواهد وكذلك إشارات وإرهاصات منذ سنوات، والتي قالت بالفم الملآن – دون تصريحات مباشرة – إن الحادث اليوم والحاصل غداً قادم، وإنه مجرّد مسألة وقت وتفاوض وتحديد أثمان وتوقيتات.
هناك من عرف، وهناك من فهم، وهناك من تغافل وتجاهل، وهناك اليوم من صدم ومن غضب ومن حزن، كل ذلك يمكن فهمه في سياقات ما.
النموذجان اللذان من الصعب تفهّمهما أو تقبّلهما:
1) الشامتون، وإن بلسان أكاديمي وأسلوب أدبي ومصطلحات علمية، وإن حاولوا إخفاء النوايا الحقيقية، وتعرفهم في لحن جَلْدِ الضعيف في كل مرة بدون كلمة في الاتجاه الآخر.
2) المبرُرون في كل حدث وتفصيل وحتى نهاية الطريق، الرامون غيرهم باتهامات الجهل والعاطفية وعدم الفهم، والمستعدون لإلباس حتى أصعب القرارات السياسية ليس فقط ثوب العبقرية والصوابية السياسية ،ولكن أيضاً – تخيّل – ثوب التضحية والصبر.

*كاتب فلسطيني

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق