مقالات

مفارقات الدول الموقّعة على بيان إدانة سلوك النظام المصري تجاه حقوق الإنسان

وليد شرابي*
لعلّ هذا الإجراء ،جاء بعد صمت طويل من مجلس حقوق الإنسان،أن يصدر مثل هذا البيان، والذي انتقد الكثير من أوضاع حقوق الإنسان في مصر ،وقبل أن نتناول تفاصيل ما جاء في البيان ،يجب أن نشير إلى بعض الملاحظات ،التي تعطينا مؤشّرات حول أثر التوجّه السياسي لبعض الدول للتوقيع على مثل هذا البيان .
أولا : تركيا ليست من بين الموقّعين على هذا البيان !!!
قد يظن البعض ،أنه كان من المفترض أن تكون تركيا من أوائل الدول الموقّعة على هذا البيان، لاسّيما وأن تركيا لديها على أرضها الكثير من المنظمات الحقوقية المعنية بالشأن المصري،وأن هناك العديد من المؤتمرات الحقوقية ،التي تناولت الشأن المصري تمّت على أرض تركيا ،وأن تركيا لديها عدد كبير من المصريين المقيمين على أرضها وقد تضرّروا بسبب أوضاع حقوق الإنسان في مصر .
لكن ما حدث هو العكس ،فتركيا لم توقّع على هذا البيان ،وقد أكون على المستوى الشخصي مندهشا من هذا الموقف .
فهل كان التقارب التركي مع نظام السيسي له أثر على عدم توقيع تركيا على هذا البيان ؟
أعتقد أن الشارع المصري والعربي ،يحتاج إلى تفسير من قبل المسؤولين الأتراك حول هذا الأمر .
ثانيا البوسنة والهرسك من بين الدول الموقّعة على هذا البيان !!!
بالرغم من حرص دولة البوسنة والهرسك ،على إقامة علاقات هادئة مع كل الدول، وتجنّبها الدخول في مشكلات داخلية تخص أي دولة، إلاّ أن هذا الأمر لم يمنعها ،من التوقيع على هذا البيان ،وهو موقف يستحق الإشادة والتقدير من كل المتابعين والمهتمين بأوضاع حقوق الإنسان في العالم ،وفي مصر على وجه الخصوص .
ثالثا : لا توجد أي دولة عربية موقّعة على هذا البيان !!!
وهو أمر يجب أن ينظر إليه بعين الاعتبار ،وليس بمجرد عاطفة الاستهجان ،فكل الدول العربية لديها مشكلة مع أوضاع حقوق الإنسان على أراضيها، ولكن بدرجات مختلفة ،وأعتقد أن المصالح متبادلة بين الدول العربية وبعضها ،بشأن عدم إدانة أي دولة لحقوق الإنسان في مصر أو غيرها ،وإلّا سيكون لذلك الإجراء في حالة حدوثه ضد مصر ردة فعل من مصر ومن الدول الخليجية الداعمة لها ضد هذه الدولة العربية بشأن حقوق الإنسان لديها أيضا كالمثل القائل ( لا تعايرني ولا أعايرك ……. ). رابعاً : فرنسا من بين الدول الموقّعة على البيان !!!
وتوقيع فرنسا من أكثر التوقيعات ،التي أصابتني بالدهشة ،فبالرغم من العلاقات الطيّبة بين السيسي وفرنسا ،والدعم العسكري والسياسي والإعلامي، الذي تمنحه فرنسا لنظام السيسي،وحرص السيسي بكل أدوات نظامه على كسر المقاطعة الشعبية للمنتجات الفرنسية، إلاّ أن ذلك لم يمنع فرنسا من التوقيع على البيان !!
فهل بدأ السيسي في دفع ضريبة تقاربه مع تركيا على أسوار باريس ؟
أم أننا نمرّ بمرحلة جديدة مختلفة عما سبق ،يجب أن يراجع فيها كل صاحب وعي أين يضع قدمه ؟
خامسا : ألمانيا من بين الدول الموقّعة على هذا البيان !!!
عشرات المليارات من الدولارات ،دفعها نظام السيسي لصالح شركات ألمانية لتنفيذ مشروعات، لم تحقّق أي إستفادة لصالح الشعب المصري ،كان أخرها التوقيع مع شركة (سيمنز) الألمانية، لتنفيذ مشروع قطار بتكلفة قدرها ٢٣ مليار دولار .
لكن مليارات السيسي، لم تمنع ألمانيا من إدانة حقوق الإنسان في مصر ،وهو موقف يجب أن يحسب بالإيجاب لصالح ألمانيا، التي لم تمنعها العلاقات الثنائية والمصالح الاقتصادية عن اتخاذ الموقف الممكن والمتاح ،ضد نظام السيسي المنتهك لحقوق الإنسان .
سادسا : أما عن مضمون البيان، فقد إنتقد القيود المفروضة في مصر على حرية التعبير والحق في التجمع السلمي ،والتضييق على المجتمع المدني والمعارضة السياسية،وتوظيف قانون الإرهاب ضد المنتقدين السلميين
ودعا مصر لرفع القيود المفروضة على الحريات ،ووسائل الإعلام، والإفراج عن الصحفيين المحتجزين .
وحث البيان مصر على وضع حد لاستخدام تهم الإرهاب ،كذريعة لاحتجاز المدافعين عن حقوق الإنسان ،ونشطاء المجتمع المدني،وتمديد فترات الحبس الاحتياطي السابق للمحاكمة، وإعادة ضم “تدوير” المحتجزين إلى قضايا جديدة مماثلة التهم ،بعد انتهاء المدة القانونية لحبسهم الاحتياطي.
كما طالب البيان مصر بوقف استخدام الأدراج على قوائم الكيانات الإرهابية، كأداة لمعاقبة الأفراد على ممارسة حقهم في الحرية التعبير .

*مستشار قضائي مصري

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق