تقارير و تحليلاتعام

انفجار بيروت..الأسئلة أكثر من الإجابات

بدت مدينة بيروت، مساء أمس (الثلاثاء)، ساحة حرب، مستشفيات مكتظة بالجرحى، وشوارع تغطّيها الجثث، وغبار الانفجارات، وعشرات الأسئلة تدور في أذهان الناس، التي استحضرت على الفور، صوراً من عقود مضت خلال الحرب الأهلية، لكن مشاهد الدمار هذه وقعت في غضون نصف ساعة فقط . في البداية، وقع انفجار بسيط في مرفأ بيروت، تصاعد بعدها دخان كثيف، جعل الناس تخرج هواتفها المحمولة من أجل تصويره، ظناً منهم أنه حريق عادي، لكن الكاميرات وثّقت بعد لحظات بسيطة ما يشبه انفجاراً نووياً، قد نشاهده في الأفلام أكثر من الحقيقة. هزّ الانفجار مدينة بيروت بالمعنى الحرفي للكلمة، وسمع صوته في أنحاء لبنان، ووصل صداه سريعا لوسائل الإعلام العالمية، التي ذهبت سريعا إلى طرح السؤال الذي كان يحيّر الجميع، ما الذي يحدث ؟! وهو السؤال الذي تصدّت وزارة الصحة، المرتبطة بحزب الله اللبناني، للإجابة عنه سريعاً، ملقية باللائمة على الألعاب النارية، وهي الإجابة التي أثارت سخرية واسعة بين وسائل الإعلام، وحتى البسطاء. إجابة وزارة الصحة، عزّزت من شكوك الناس، الذين تداولوا عشرات القصص والنظريات، كان أبرزها أن صاروخاً هو من تسبّب بهذا الدمار، وهي النظرية التي استمرت حتى ساعات المساء، مع تقارير تفيد بأن الناس “شاهدوها” ، على الرغم من عدم وجود دليل على وقوع غارة جوية. ومع حلول المساء، قدّمت الحكومة اللبنانية، رواية تبدو أكثر تماسكاً، حيث أعلن رئيس الوزراء اللبناني، حسان دياب، أن نحو 2750 طناً من نترات الأمونيوم، كانت مخزّنة في مستودع بمرفأ بيروت لمدة ست سنوات، هي المسؤولة عن الانفجار. وهي الرواية التي انشغل بها الإعلام لاحقاً، خصوصاً وأن “إسرائيل” نفت بشكل واضح علاقتها بالانفجار، ورجّحت على لسان وزير خارجيتها، أن الحادث غير مدبّر. لكن الجدل عاد ليشتعل لاحقاً، بعدما  أشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الانفجار بوصفه هجوما محتملا وعرض تقديم العون. وردا على سؤال عن تصوّره للانفجار، قال ترمب: إنه اجتمع مع بعض العسكريين الذين يعتقدون أن الانفجار، ليس “من نوع الانفجارات التي تنجم عن عملية تصنيع” وقال للصحفيين: إنه بحسب هؤلاء العسكريين الذين لم يذكرهم بالاسم، فإن الانفجار ربّما كان هجوما و”قنبلة من نوع ما”. وهو التصريح، الذي أزعج على ما يبدو الدوائر الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نفت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) وجود أي إشارات تحمل على الاعتقاد، بأن انفجار بيروت أمس كان هجوما، في تناقض واضح مع تصريحات ترمب. ونقلت “سي إن إن” عن  أحد المسؤولين الثلاثة -والذي رفض الإفصاح عن هويته حتى يتحدث بحرية أكبر-  قوله: إنه ” لا يعرف بالضبط عما يتحدث عنه الرئيس” التضارب بين رواية الرئيس الأمريكي والبنتاغون ، زاد من البلبلة والشكوك، وطرح أكثر من احتمال وتساؤل. هل أباح الرئيس عبر زلّة لسان، بشيء عرف به عن الحادثة يختلف عن رواية الخطأ والإهمال؟ أم أنه أراد بتعليقه اختلاق سيناريو الهجوم لإرباك الوضع أكثر مما هو عليه؟ ثم هل حاول البنتاغون بنفيه السريع استدراك الأمر للحفاظ على سريّة المعلومات في حال وجودها، ولو تطلّب ذلك تكذيب الرئيس؟ أم أنه سارع إلى التصحيح اللازم لوضع الأمور في نصابها حفاظاً على الصورة والسمعة؟ التقارير والروايات الأوليّة المنسوبة إلى مصادر العاصمة اللبنانية، برغم ميلها إلى ترجيح احتمال الإهمال الحكومي، لم تقنع البعض بالكفّ عن البحث عن مبررات التشكيك في بعض اللاعبين الأساسيين في الساحة اللبنانية، ومن بينهم “إسرائيل”، حيث جرى الربط بين “تفجيرات حصلت أخيراً في إيران”، وتفجير بيروت، وقد ” شوهدت طائرات إسرائيلية مسيّرة فوق بيروت وبصورة دورية خلال الأسابيع الأخيرة”.  مصادر أخرى، أشارت إلى “الظن بحزب الله”، وذلك في سياق التذكير، بأن المحكمة الدولية ستعلن حكمها بعد غد الجمعة في قضية مقتل الرئيس اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، والمتوقع أن يكشف عن إدانة لعناصر من “حزب الله” لتورّطها في عملية الاغتيال. تعليل ذلك أن التفجير من شأنه أن يطمس قضية الحكم.  لكن هذا وغيره من القرّاءات التي توالت حتى الآن، لا يخرج عن مدار التكهنات والتخمينات المبنية على أي شيء إلا القرائن والأدلة. وتبقى الحقيقة مرهونة بالتحقيق، الذي لا بوصلة مأمونة له في لبنان هذا الزمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق